الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
القسم الثاني

في شرائط وجوب العمل بخبر الواحد وما يتشعب عنها من المسائل ، أما الشروط فمنها ما لا بد منها ، ومنها ما ظن أنها شروط وليست كذلك .

أما الشروط المعتبرة فهي أربعة :

الشرط الأول : أن يكون الراوي مكلفا >[1] .

وذلك لأن من لا يكون مكلفا ، إما أن يكون بحيث لا يقدر على الضبط والاحتراز فيما يتحمله ويؤديه ، كالمجنون والصبي غير المميز فلا تقبل روايته >[2] لتمكن الخلل فيها .

وإما أن يكون بحيث يقدر على الضبط والمعرفة ، كالصبي المميز والمراهق الذي لم يبق بينه وبين البلوغ سوى الزمان اليسير ، فلا تقبل روايته >[3] لا لعدم ضبطه ، فإنه قادر عليه متمكن منه ، ولا لما قيل من أنه لا يقبل إقراره على نفسه ، فلا يقبل قوله على غيره بطريق الأولى ؛ لأنه منتقض بالعبد وبالمحجور عليه ، فإنه لا يقبل إقراره على نفسه وروايته مقبولة بالإجماع ، بل لأنا أجمعنا على عدم قبول رواية الفاسق ، لاحتمال كذبه ، مع أنه يخاف الله ( تعالى ) لكونه مكلفا فاحتمال الكذب من الصبي مع أنه لا يخاف الله تعالى لعدم تكليفه يكون أظهر [ ص: 72 ] من احتمال الكذب في حق الفاسق ، فكان أولى بالرد ، ولا يلزم من قبول قوله في إخباره أنه متطهر ، حتى إنه يصح الاقتداء به في الصلاة ، مع أن الظن بكونه متطهرا شرط في صحة الاقتداء به وقبول >[4] روايته ؛ لأن الاحتياط والتحفظ في الرواية أشد منه في الاقتداء به في الصلاة ؛ ولهذا صح الاقتداء بالفاسق عند ظن طهارته ، ولا تقبل روايته وإن ظن صدقه .

ومن قال بقبول شهادة الصبيان فيما يجري بينهم من الجنايات >[5] فإنما كان اعتماده في ذلك على أن الجنايات فيما بينهم مما تكثر ، وأن الحاجة ماسة إلى معرفة ذلك بالقرائن ، وهي شهادتهم مع كثرتهم قبل تفرقهم ، وليس ذلك جاريا على منهاج الشهادة ولا الرواية >[6] .

وهذا بخلاف ما إذا تحمل الرواية قبل البلوغ ، وكان ضابطا لها ، وأداها بعد البلوغ وظهور رشده في دينه ، فإنها تكون مقبولة ؛ لأنه لا خلل في تحمله ولا في أدائه ، ويدل على قبول روايته الإجماع والمعقول .

أما الإجماع فمن وجهين :

الأول : أن الصحابة أجمعت على قبول رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة مطلقا ، من غير فرق بين ما تحملوه في حالة الصغر وبعد البلوغ .

الثاني : إجماع السلف والخلف على مجالس الحديث وقبول روايتهم لما تحملوه في حالة الصبا بعد البلوغ .

وأما المعقول ، فهو أن التحرز في أمر الشهادة أكثر منه في الرواية ، ولهذا اختلف في قبول شهادة العبد ، والأكثر على ردها .

ولم يختلف في قبول رواية العبد ، واعتبر العدد في الشهادة >[7] بالإجماع واختلف في اعتباره في الرواية .

وقد أجمعنا على أن ما تحمله الصبي من الشهادة قبل البلوغ ، إذا شهد به بعد البلوغ قبلت شهادته ، فالرواية أولى بالقبول .

التالي السابق


الخدمات العلمية