[ ص: 106 ] المسألة الثانية
إذا
أنكر الشيخ رواية الفرع عنه ، فلا يخلو إما أن يكون إنكاره لذلك إنكار جحود وتكذيب للفرع ، أو إنكار نسيان وتوقف .
فإن كان الأول فلا خلاف في امتناع العمل بالخبر
>[1] لأن كل واحد منهما مكذب للآخر فيما يدعيه ، ولا بد من كذب أحدهما ، وهو موجب للقدح في الحديث ، غير أن ذلك لا يوجب جرح واحد منهما على التعيين ; لأن كل واحد منهما عدل ، وقد وقع الشك في كذبه .
والأصل العدالة فلا تترك بالشك .
وتظهر فائدة ذلك في قبول رواية كل واحد منهما في غير ذلك الخبر .
وأما إن كان الثاني ، فقد اختلفوا في قبول ذلك الخبر والعمل به ، فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه ، وأكثر المتكلمين إلى جواز العمل ، خلافا
للكرخي >[2] وجماعة من أصحاب
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد بن حنبل في الرواية الأخرى عنه ، ودليله الإجماع والمعقول .
أما الإجماع ، فما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355196أنه قضى باليمين مع الشاهد >[3] ثم نسبه
سهيل ، فكان يقول : حدثني
ربيعة عني أني حدثته عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرويه هكذا .
ولم ينكر عليه أحد من التابعين ذلك ، فكان إجماعا منهم على جوازه .
[ ص: 107 ] وأما المعقول فمن وجهين : الأول : أن الفرع عدل ، وهو جازم بروايته عن الأصل ، غير مكذب له وهما عدلان ، فوجب قبول الرواية والعمل بها .
الثاني : أن نسيان الأصل الرواية لا تزيد على موته وجنونه ، ولو مات أو جن ، كانت رواية الفرع عنه مقبولة ، ويجب العمل بها إجماعا فكذلك إذا نسي .
فإن قيل : أما الاستدلال بقضية
ربيعة ، فلا حجة فيه ، لاحتمال أن
سهيلا ذكر الرواية برواية
ربيعة عنه ومع الذكر ، فالرواية تكون مقبولة .
ثم هو معارض بما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355197أن nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر قال nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ( أما تذكر يا أمير المؤمنين ، لما كنا في الإبل ، فأجنبت فتمعكت في التراب ، ثم سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنما يكفيك أن تضرب بيديك >[4] فلم يقبل
عمر من
عمار ما رواه ، مع كونه عدلا عنده ، لما كان ناسيا له .
وأما ما ذكرتموه من المعقول ، فالأصل وإن لم يكن مكذبا للفرع ، غير أن نسيانه لما نسب إليه يجب أن يكون مانعا من العمل به ، كما لو ادعى مدع أن الحاكم حكم له بشيء ، فقال الحاكم : لا أذكر ذلك ، فأقام المدعي شاهدين شهدا بذلك ، فإنه لا يقبل ، وكذلك إذا أنكر شاهد الأصل شهادة الفرع عليه على سبيل النسيان ، فإن الشهادة لا تقبل .
الجواب عن قولهم : إن
سهيلا ذكر الرواية ، قلنا لو كان كذلك ، لانطوى ذكر
ربيعة ، وكان يروي عن شيخه ، كما لو نسي ، ثم تذكر بنفسه ، وأما رد
عمر لرواية
عمار عند نسيانه ، فليس نظيرا لما نحن فيه ، فإن
عمارا لم يكن راويا عن
عمر ، بل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحيث لم يعمل
عمر بروايته فلعله كان شاكا في روايته أو كأن ذلك كان مذهبا له ، فلا يكون حجة على غيره من المجتهدين على ما سيأتي تقريره .
[ ص: 108 ] وأما
الحاكم إذا نسي ما حكم به ، وشهد شاهدان بحكمه ، فقد قال
مالك وأبو يوسف : يلزمه الحكم بشهادتهما ، وعندنا وإن لم يجب عليه ذلك ، فهو واجب على غيره من القضاة .
وأما القياس على الشهادة ، فلا يصح لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية ، وقد اعتبر فيها من الشروط والقيود ما لم يعتبر في الرواية ، وذلك كاعتبار العدد والحرية والذكورة ، ولا يقبل فيها العنعنة ، ولا تصح الشهادة على الشهادة من وراء حجاب ، ولو قال : أعلم بدل قوله أشهد لا يصح ، ولا كذلك في الرواية فامتنع القياس .