[ ص: 48 ] المسألة الخامسة
الذين منعوا من تأخير بيان المراد من الخطاب عن وقت الخطاب . اختلفوا في جواز
تأخير تبليغ ما أوحي به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام والعبادات إلى وقت الحاجة إليه ، وأكثر المحققين على جوازه ، وهو الحق لأنه لو امتنع ، لم يخل : إما أن يمتنع لذاته ، أو لمعنى من خارج ، الأول محال فإنه لا يلزمه من فرض وقوعه لذاته محال ، وإن كان ذلك لأمر من خارج فالأصل عدمه ، كيف وإن تأخيره يحتمل أن يكون فيه مصلحة في علم الله تقتضي التأخير .
ولهذا لو صرح الشارع بذلك ، لما كان ممتنعا ، ويحتمل أن يكون فيه مفسدة مانعة من التأخير وليس أحد الأمرين أولى من الآخر .
فإن قيل : الامتناع من التأخير إنما هو لمعنى خارج عن ذاته ، وهو قوله تعالى : (
ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ) وظاهر الأمر للوجوب .
قولكم : يحتمل وجود مفسدة في التقديم ، ومصلحة في التأخير ، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر .
قلنا : فهذا كما لا يمكن معه الجزم بامتناع التأخير ، فلا يمكن معه الجزم بجواز التأخير الذي هو مذهبكم .
وجواب الأول : أنا وإن سلمنا أن قوله تعالى : ( بلغ ) أمر ، ولكن لا نسلم أنه للوجوب
>[1] وإن سلمنا أنه للوجوب ، ولكن لا نسلم أن مطلق الأمر يقتضي الفور ، على ما تقدم تقريره .
وإن سلمنا أنه على الفور ، غير أنا لا نسلم أنه يتناول تبليغ الأحكام التي وقع الخلاف فيها ، وإنما هو دال على تبليغ ما أنزل من لفظ القرآن ؛ إذ هو المفهوم من لفظ المنزل .
وجواب الثاني أنه إذا وقع التردد بين المصلحة والمفسدة ، تساقطا ، وبقينا على أصل الجواز العقلي .