الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 242 ] المسألة السابعة عشرة

إذا كان الحكم في الأصل نفيا والعلة له وجود مانع أو فوات شرط فقد اختلفوا في اشتراط وجود المقتضي لإثباته .

والمختار اشتراطه ، وذلك لأن الأحكام إنما شرعت لمصالح الخلق ، فما لا فائدة في إثباته فلا يشرع ، فانتفاؤه يكون لانتفاء فائدته ، وسواء وجدت ثم حكمة تقتضي نفيه أو لم توجد ، وفرق بين انتفاء الحكم لانتفاء فائدته وبين انتفائه لوجود فائدة نافية له ، وإذا كان كذلك فما لم يوجد المقتضي للإثبات كان نفي الحكم للمانع أو لفوات الشرط ممتنعا .

فإن قيل : لا خفاء بأن وجود المقتضي من قبيل المعارض لوجود المانع وفوات الشرط ، فإذا استقل المانع وفوات الشرط بنفي الحكم مع وجود ما يعارضه ويكسر سورته ، فلأن يستقل بالنفي مع انتفاء المعارض كان أولى .

>[1] وأيضا لو اشترطنا وجود المقتضي فيلزم منه التعارض بينه وبين المانع ، أو فوات الشرط ، والتعارض على خلاف الأصل لما فيه من إهمال أحد الدليلين ، وعند انتفاء المقتضي لو أحلنا نفي الحكم على نفي المقتضى مع تحقق ما يناسب نفي الحكم من المانع أو فوات الشرط ، لزم منه إهمال مناسبة المانع وفوات الشرط مع اقتران نفي الحكم به ، وهو خلاف الأصل .

قلنا : جواب الإشكال الأول أنه لا يلزم من انتفاء الحكم بالمانع وفوات الشرط مع وجود المقتضي المشترط في إعماله ; لما بيناه انتفاؤه له مع فوات شرط إعماله .

وجواب الثاني : أنه وإن لزم من وجود المقتضي التعارض بينه وبين المانع أو فوات الشرط ، فهو أهون من نفيه لوجود المانع مع فوات شرط إعماله على ما حققناه .

[ ص: 243 ] ولهذا كان نفي الحكم بالمانع وفوات الشرط مع وجود المقتضي متفقا عليه بين القائلين بتخصيص العلة ، ومختلفا فيه مع انتفاء المقتضي .

وبتقدير انتفاء المقتضي فنفي الحكم له دون ما ظهر من المانع ، وفوات الشرط وإن أفضى إلى إلغاء مناسبة المانع وفوات الشرط مع اعتباره إلا أنه أولى من انتفائه للمانع أو فوات الشرط .

ولهذا وقع الاتفاق من الكل على استقلاله بالنفي عند عدم المعارض ، ووقع الخلاف في استقلال المانع وفوات الشرط بالنفي مع القائلين بامتناع تخصيص العلة ، فكان النفي له أولى .

>[2] ولا يمكن أن يقال بإحالة النفي على نفي المقتضي والمانع معا ; لأنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد مستقلا بالنفي ، أو أن المقتضي للنفي الهيئة الاجتماعية منهما ، وهما بمنزلة أجزاء العلة النافية . لا سبيل إلى الأول لما بيناه من امتناع الحكم الواحد في صورة واحدة بعلتين مستقلتين ، ولا سبيل إلى الثاني لأن نفي المقتضي بتقدير انتفاء معارضه مستقل بالنفي إجماعا ، وفيه إخراج المستقل عن الاستقلال وهو ممتنع ، وإذا ثبت أنه لا بد في التعليل بالمانع وفوات الشرط من وجود المقتضي فلا بد من بيانه بطريق تفصيلي يدل على وجوده وعليته بما يساعد من الأدلة . وإن اتفق إن كان الشارع قد نص على نفي الحكم فهو دليل ظاهر على وجود المقتضي ; لأنه لو لم يكن المقتضي موجودا كانت فائدة التنصيص على النفي التأكيد لاستقلال نفي المقتضي بالنفي .

والأصل أن يحمل كلام الشارع على فائدة التأسيس لكونها أصلا ، وإنما يتم ذلك بالنظر إلى وجود المقتضي .

فإن قيل : اعتقاد وجود المقتضي حملا للكلام على فائدة التأسيس يلزم منه نفي الحكم مع وجود ما يقتضيه ، وهو خلاف الأصل ، وليس مخالفة محذور مخالفة المقتضي مع كونه خلاف الأصل دفعا لمحذور حمل الكلام على فائدة التأكيد أولى من العكس .

[ ص: 244 ] قلنا : بل المحذور اللازم من نفي الحكم مع وجود ما يقتضيه مخالفة المقتضي لا غير ، وهو غالب في الشرع ومحذور التأكيد مع كونه نادرا ، فيه مخالفة ما ظهر من مناسبة المانع واعتباره ، مع أن الغالب من حال الشارع اعتبار المناسبات لا إلغاؤها .

ولا يخفى أن التزام محذور عهد التزامه في الشرع غالبا ، وليس فيه التزام محذور آخر ، أولى من التزام محذور لم يعهد التزامه في الشرع غالبا وفيه التزام محذور آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية