[ ص: 272 ] الفصل الثالث
في بيان
مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم واختلافها
المقصود : إما أن يكون حاصلا من شرع الحكم يقينا أو ظنا ، أو أن الحصول وعدمه متساويان ، أو أن عدم الحصول راجح على الحصول .
أما الأول : فمثاله إفضاء الحكم بصحة التصرف بالبيع إلى إثبات الملك .
وأما الثاني : فكشرع القصاص المرتب على القتل العمد العدوان صيانة للنفس المعصومة عن الفوات ، فإنه مظنون الحصول راجح الوقوع ; إذ الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه إذا قتل قتل أنه لا يقدم على القتل ، فتبقى نفس المجني عليه إلى نظائره من الزواجر ، وليس ذلك مقطوعا به لتحقق الإقدام على القتل ، مع شرع القصاص كثيرا .
وأما القسم الثالث : فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق ، بل على طريق التقريب ، وذلك كشرع الحد على شرب الخمر لحفظ العقل ، فإن إفضاءه إلى ذلك متردد حيث إنا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة .
ومثال القسم الرابع : إفضاء الحكم بصحة نكاح الآيسة إلى مقصود التوالد والتناسل ، فإنه وإن كان ممكنا عقلا غير أنه بعيد عادة ، فكان الإفضاء إليه مرجوحا .
فهذه الأقسام الأربعة وإن كانت مناسبة نظرا إلى أنها موافقة للنفس غير أن أعلاها القسم الأول لتيقنه ، ويليه الثاني لكونه مظنونا راجحا ، ويليه الثالث لتردده ، ويليه الرابع لكونه مرجوحا . والقسمان الأولان متفق على صحة التعليل بهما عند القائلين بالمناسبة .
وأما القسم الثالث والرابع فلكون المقصود فيهما غير ظاهر للمساواة في الثالث والمرجوحية في الرابع ، فالاتفاق واقع على صحة التعليل بهما إذا كان ذلك في آحاد الصور الشاذة ، وكان المقصود ظاهرا من الوصف في غالب صور الجنس وإلا فلا ، وذلك كما ذكرناه من مثال صحة نكاح الآيسة لمقصود التوالد فإنه وإن
[ ص: 273 ] كان غير ظاهر بالنسبة إلى الآيسة إلا أنه ظاهر فيما عداها .
>[1] وعلى هذا فلو
خلا الوصف الذي رتب عليه الحكم عن المقصود الموافق للنفس قطعا ، وإن كان ظاهرا في غالب صور الجنس كما في : لحوق النسب في نكاح المشرقي للمغربية ، وشرع الاستبراء في شراء الجارية لمعرفة فراغ الرحم فيما إذا اشترى الجارية ممن باعها منه في مجلس البيع الأول لعلمنا بفراغ رحمها من غيره قطعا ، وإن كان ذلك ظاهرا في غالب صور الجنس فيما عدا هذه الصور فلا يكون مناسبا ولا يصح التعليل به لأن المقصود من شرع الأحكام الحكم
>[2] فشرع الأحكام مع انتفاء الحكمة يقينا لا يكون مفيدا ، فلا يرد به الشرع خلافا لأصحاب أبي حنيفة .