[ ص: 274 ] الفصل الرابع
في
أقسام المقصود من شرع الحكم واختلاف مراتبه في نفسه وذاته >[1] وهو لا يخلو إما أن يكون من قبيل المقاصد الضرورية ، أو لا يكون من قبيل المقاصد الضرورية .
فإن كان من قبيل المقاصد الضرورية فإما أن يكون أصلا ، أو لا يكون أصلا .
فإن كان أصلا فهو الراجع إلى المقاصد الخمسة التي لم تخل من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع ، وهي : حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال . فإن حفظ هذه المقاصد الخمسة من الضروريات وهي أعلى مراتب المناسبات .
والحصر في هذه الخمسة الأنواع إنما كان نظرا إلى الواقع والعلم بانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة .
أما حفظ الدين : فبشرع قتل الكافر المضل ، وعقوبة الداعي إلى البدع .
وأما حفظ النفوس : فبشرع القصاص .
وأما حفظ العقول : فبشرع الحد على شرب المسكر .
وأما حفظ الأموال التي بها معاش الخلق : فبشرع الزواجر للغصاب والسراق .
>[2] وأما إن لم يكن أصلا فهو التابع المكمل للمقصود الضروري .
وذلك كالمبالغة في حفظ العقل بتحريم شرب القليل من المسكر الداعي إلى الكثير وإن لم يكن مسكرا ، فإن أصل المقصود من حفظ العقل حاصل بتحريم شرب المسكر لا بتحريم قليله ، وإنما يحرم القليل للتكميل والتتميم .
وأما إن لم يكن المقصود من المقاصد الضرورية : فإما أن يكون من قبيل ما تدعو حاجة الناس إليه ، أو لا تدعو إليه الحاجة .
فإن كان من قبيل ما تدعو إليه الحاجة : فإما أن يكون أصلا ، أو لا يكون أصلا .
[ ص: 275 ] فإن كان أصلا فهو القسم الثاني الراجع إلى الحاجات الزائدة ، وذلك كتسليط الولي على تزويج الصغيرة لا لضرورة ألجأت إليه بل لحاجة تقييد الكفء الراغب ; خيفة فواته عند دعو الحاجة إليه بعد البلوغ لا إلى خلف .
وأما تسليط الولي على تربية الصغير وإرضاعه وشراء المطعوم والملبوس له ، فليس من هذا القبيل ، بل من قبيل الضروريات الأصلية التي لا تخلو شريعة عن رعايتها .
وهذا القسم في الرتبة دون القسم الأول ، ولهذا جاز اختلاف الشرائع فيه دون القسم الأول ، وهو في محل المعارضة مع ما كان من قبيل التكملة والتتمة للقسم الأول ، ولهذا اشتركا في جواز اختلاف الشرائع فيهما .
وإن لم يكن أصلا فهو التابع الجاري مجرى التتمة والتكملة للقسم الثاني ، وذلك كرعاية الكفاءة ومهر المثل في تزويج الصغيرة ، فإنه أفضى إلى دوام النكاح وتكميل مقاصده ، وإن كان أصل المقصود حاصلا دون ذلك ، وهذا النوع في الرتبة دون ما تقدم ، أما بالنظر إلى المقصود الذي هو من باب الضرورات والحاجات فظاهر ، وأما بالنظر إلى ما هو من قبيل التكملة للمقصود الضروري ، فلكونه مكملا لما ليس بضروري .
وأما إن كان المقصود ليس من قبيل الحاجات الزائدة ، فهو القسم الثالث ، وهو ما يقع موقع التحسين والتزيين ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات ، وذلك كسلب العبيد أهلية الشهادة من حيث إن العبد نازل القدر والمنزلة لكونه مستسخرا للمالك مشغولا بخدمته ، فلا يليق به منصب الشهادة لشرفها وعظم خطرها ; جريا للناس على ما ألفوه وعدوه من محاسن العادات ، وإن كان لا تتعلق به حاجة ضرورية ولا زائدة ولا هو من قبيل التكملة لأحدهما ، وليس هذا من قبيل سلب ولايته على الطفل فإن سلب ولايته من قبيل الحاجات ; لأن الولاية على الطفل تستدعي الخلو والفراغ والنظر في أحواله ، واستغراق العبد بما هو الواجب عليه من خدمة مالكه مانع له من ذلك ، ولا كذلك في الشهادة لاتفاقهما في بعض الأحيان .