[ ص: 302 ] الخاتمة
في
أنواع النظر والاجتهاد في مناط الحكم وهو العلة .
>[1] ولما كانت العلة متعلق الحكم ومناطه فالنظر والاجتهاد فيه إما في تحقيق المناط أو تنقيحه أو تخريجه .
أما تحقيق المناط فهو النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها
>[2] وسواء كانت معروفة بنص أو إجماع أو استنباط .
أما إذا كانت معروفة بالنص ، فكما في جهة القبلة فإنها مناط وجوب استقبالها وهي معروفة بإيماء النص ، وهو قوله تعالى : (
وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) وكون هذه الجهة هي جهة القبلة في حالة الاشتباه ، فمظنون بالاجتهاد والنظر في الأمارات .
وأما إذا كانت معلومة بالإجماع فكالعدالة ، فإنها مناط وجوب قبول الشهادة وهي معلومة بالإجماع .
وأما كون هذا الشخص عدلا فمظنون بالاجتهاد .
وأما إذا كانت مظنونة بالاستنباط ، فكالشدة المطربة فإنها مناط تحريم الشرب في الخمر
>[3] فالنظر في معرفتها في النبيذ هو تحقيق المناط ، ولا نعرف خلافا في صحة الاحتجاج بتحقيق المناط إذا كانت العلة فيه معلومة بنص أو إجماع
>[4] ، وإنما الخلاف فيه فيما إذا كان مدرك معرفتها الاستنباط .
[ ص: 303 ] وأما تنقيح المناط فهو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة من غير تعيين بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف ، كل واحد بطريقة
>[5] كما علم فيما تقدم مما ذكرناه من التعليل بالوقاع في قصة الأعرابي ، فإنه وإن كان مومى إليه بالنص غير أنه يفتقر في معرفته عينا إلى حذف كل ما اقترن به من الأوصاف عن درجة الاعتبار بالرأي والاجتهاد ، وذلك بأن يبين أن كونه أعرابيا وكونه شخصا معينا ، وأن كون ذلك الزمان وذلك الشهر بخصوصه ، وذلك اليوم بعينه ، وكون الموطوءة زوجة وامرأة معينة لا مدخل له في التأثير ، بما يساعد من الأدلة في ذلك حتى يتعدى إلى كل من وطأ في نهار رمضان عامدا وهو مكلف صائم . وهذا النوع وإن أقر به أكثر منكري القياس فهو دون الأول .
وأما
تخريج المناط فهو النظر والاجتهاد في إثبات علة الحكم الذي دل النص أو الإجماع عليه دون عليته .
وذلك كالاجتهاد في إثبات كون الشدة المطربة علة لتحريم شرب الخمر ، وكون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في المحدد
>[6] ، وكون الطعم علة ربا الفضل في البر ونحوه حتى يقاس عليه كل ما سواه في علته ، وهذا في الرتبة دون النوعين الأولين ولذلك أنكره أهل الظاهر
والشيعة وطائفة من
المعتزلة البغداديين .