[ ص: 123 ] الفصل الخامس
في المباح وما يتعلق به من المسائل
أما
المباح >[1] فهو في اللغة مشتق من الإباحة وهي الإظهار والإعلان ، ومنه يقال : باح بسره : إذا أظهره .
وقد يرد أيضا بمعنى الإطلاق والإذن ، ومنه يقال : أبحته كذا ، أي : أطلقته فيه وأذنت له .
وأما في الشرع ، فقد قال قوم : هو ما خير المرء فيه بين فعله وتركه شرعا ، وهو منقوض بخصال الكفارة المخيرة ، فإنه ما من خصلة منها إلا والمكفر مخير بين فعلها وتركها ، وبتقدير فعلها لا تكون مباحة بل واجبة ، وكذلك الصلاة في أول وقتها الموسع مخير بين فعلها وتركها مع العزم ، وليست مباحة بل واجبة .
وقال قوم : هو ما استوى جانباه في عدم الثواب والعقاب ، وهو منتقض بأفعال الله تعالى فإنها كذلك وليست متصفة بكونها مباحة .
>[2] ومنهم من قال : هو ما أعلم فاعله أو دل أنه لا ضرر عليه في فعله ولا تركه ولا نفع له في الآخرة ، وهو غير جامع ; لأنه يخرج منه الفعل الذي خير الشارع فيه بين الفعل والترك مع إعلام فاعله ، أو دلالة الدليل السمعي على استواء فعله في المصلحة والمفسدة دنيا وأخرى ، فإنه مباح وإن اشتمل فعله وتركه على الضرر .
والأقرب في ذلك أن يقال : هو ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك من غير بدل . فالقيد الأول فاصل له عن فعل الله تعالى ، والثاني
>[3] عن الواجب الموسع في أول الوقت والواجب المخير ، وإذا عرف معنى المباح ففيه خمس مسائل :
[ ص: 124 ] المسألة الأولى
اتفق المسلمون على أن
الإباحة من الأحكام الشرعية خلافا لبعض
المعتزلة ، مصيرا منه إلى أن المباح لا معنى له سوى ما انتفى الحرج عن فعله وتركه ، وذلك ثابت قبل ورود الشرع وهو مستمر بعده ، فلا يكون حكما شرعيا .
ونحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية ، وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير على ما قررناه ، وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع . ولا يخفى الفرق بين القسمين ، فإذا
>[4] ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض لنفيها وما نفي غير ما أثبتناه .