الصنف السادس : العزيمة والرخصة .
>[1] أما
العزيمة ، ففي اللغة الرقية ، وهي مأخوذة من عقد القلب المؤكد على أمر ما ، ومنه قوله تعالى : (
فنسي ولم نجد له عزما ) أي قصدا مؤكدا .
ومنه سمي بعض الرسل " أولو العزم " لتأكد قصدهم في إظهار الحق .
وأما في الشرع ، فعبارة عما لزم العباد بإلزام الله تعالى كالعبادات الخمس ونحوها .
وأما
الرخصة في اللغة - بتسكين الخاء - فعبارة عن التيسير والتسهيل ، ومنه يقال : رخص السعر : إذا تيسر وسهل ، وبفتح الخاء عبارة عن الأخذ بالرخص .
[ ص: 132 ] وأما في الشرع فقد قيل : الرخصة ما أبيح فعله مع كونه حراما ، وهو تناقض ظاهر .
وقيل : ما رخص فيه مع كونه حراما ، وهو مع ما فيه من تعريف الرخصة بالترخيص المشتق من الرخصة غير خارج عن الإباحة ، فكان في معنى الأول .
وقال أصحابنا : الرخصة ما جاز فعله لعذر مع قيام السبب المحرم ، وهو غير جامع ، فإن الرخصة كما قد تكون بالفعل قد تكون بترك الفعل ، كإسقاط وجوب صوم رمضان والركعتين من الرباعية في السفر . فكان من الواجب أن يقال : الرخصة ما شرع من الأحكام لعذر ، إلى آخر الحد المذكور ، حتى يعم النفي والإثبات .
ثم العذر المرخص
>[2] لا يخلو إما أن يكون راجحا على المحرم أو مساويا أو مرجوحا .
فإن كان الأول فموجبه لا يكون رخصة بل عزيمة ، وإلا كان كل حكم ثبت بدليل راجح مع وجود المعارض المرجوح رخصة وهو خلاف الإجماع .
وإن كان مساويا فإن قلنا بتساقط الدليلين المتعارضين من كل وجه والرجوع إلى الأصل ، فلا يكون ذلك رخصة وإلا كان كل فعل بقينا فيه على النفي الأصلي قبل ورود الشرع رخصة ، وهو ممتنع . وإن لم نقل بالتساقط فالقائل قائلان :
قائل يقول بالوقف عن الحكم بالجواز وعدمه إلى حين ظهور الترجيح ، وذلك عزيمة لا رخصة .
وقائل يقول بالتخيير بين الحكم بالجواز والحكم بالتحريم ، ويلزم من ذلك أن لا يكون أكل الميتة حالة الاضطرار رخصة ، ضرورة عدم التخيير بين جواز الأكل والتحريم ; لأن الأكل واجب جزما ، وقد قيل بكونه رخصة ، فلم يبق إلا أن يكون الدليل المحرم راجحا على المستبيح ، ويلزم من ذلك العلم بالمرجوح ومخالفة الراجح ، وهو في غاية الإشكال ، وإن كان هذا القسم هو الأشبه بالرخصة لما فيها من التيسير والتسهيل بالعمل بالمرجوح ومخالفة الراجح ، وعلى هذا فإباحة
[ ص: 133 ] شرب الخمر والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه ، وإسقاط صوم رمضان ، والقصر في الرباعية في السفر ، والتيمم مع وجود الماء للجراحة أو لبعد الماء أو لبيعه بأكثر من ثمن المثل - رخصة حقيقة ، وأكل الميتة حالة الاضطرار وإن كان عزيمة من حيث هو واجب استبقاء للمهجة فرخصة من جهة ما في الميتة من الخبث المحرم وما لم يوجبه الله علينا ، وإن كان واجبا على من قبلنا فليس رخصة حقيقة وإن سمي رخصة
>[3] لعدم الدليل المحرم لتركه
>[4] ، وكذلك كل حكم ثبت جوازه على خلاف العموم للمخصص لا يكون رخصة ; لأن المخصص بين لنا أن المتكلم لم يرد باللفظ العام لغة صورة التخصيص ، فلا يكون إثبات الحكم فيها على خلاف الدليل ; لأن العموم إنما يكون دليلا على الحكم في آحاد الصور الداخلة تحت العموم لغة مع إرادة المتكلم لها ومع المخصص فلا إرادة .
>[5]