[ ص: 153 ] المسألة الثانية
>[1]
مذهب أصحابنا جواز تكليف المعدوم ، وربما أشكل فهم ذلك مع إحالتنا
لتكليف الصبي والمجنون والغافل والسكران ، لعدم الفهم للتكاليف .
والمعدوم أسوأ حالا من هؤلاء في هذا المعنى ، لوجود أصل الفهم في حقهم وعدمه بالكلية في حق المعدوم ، حتى أنكر ذلك جميع الطوائف .
وكشف الغطاء عن ذلك أنا لا نقول بكون المعدوم مكلفا بالإتيان بالفعل حالة عدمه بل معنى كونه مكلفا حالة العدم قيام الطلب القديم
>[2] بذات الرب تعالى للفعل من المعدوم بتقدير وجوده وتهيئته لفهم الخطاب ، فإذا وجدوا مهيأ للتكليف صار مكلفا بذلك الطلب والاقتضاء القديم .
فإن الوالد لو وصى عند موته لمن سيوجد بعده من أولاده بوصية فإن الولد - بتقدير وجوده وفهمه - يصير مكلفا بوصية والده حتى إنه يوصف بالطاعة والعصيان بتقدير المخالفة والامتثال .
وأيضا فإننا في وقتنا هذا نوصف بكوننا مأمورين بأمر النبي عليه السلام ، وإن كان أمره في الحال معدوما .
وليس ذلك إلا بما وجد منه من الأمر حال وجوده .
ومثل هذا التكليف ثابت بالنسبة إلى الصبي والمجنون بتقدير فهمه أيضا ، بل أولى من حيث إن المشترط في حقه الفهم لا غير ، وفي حق المعدوم الفهم والوجود
>[3] .
وهل يسمى التكليف بهذا التفسير في الأزل خطابا للمعدوم ، وأمرا له عرفا .
[ ص: 154 ] الحق أنه يسمى أمرا ولا يسمى خطابا .
ولهذا فإنه يحسن أن يقال للوالد إذا وصى بأمر لمن سيوجد من أولاده بفعل من الأفعال أنه أمر أولاده ، ولا يحسن أن يقال خاطبهم .
لكن تمام فهم هذه القاعدة موقوف على إثبات كلام النفس ، وتحقيق كون الأمر بمعنى الطلب والاقتضاء .
وقد حققنا ذلك في الكلاميات بما يجب على الأصولي تقليد المتكلم فيه .