[ ص: 167 ] المسألة الرابعة
القرآن لا يتصور اشتماله على ما لا معنى له في نفسه لكونه هذيانا ونقصا يتعالى كلام الرب عنه خلافا لمن لا يؤبه له في قوله : كيف يقال ذلك وكلام الرب تعالى مشتمل على ما لا معنى له ؟ كحروف المعجم التي في أوائل السور ، إذ هي غير موضوعة في اللغة لمعنى ، وعلى التناقض الذي لا يفهم كقوله تعالى : (
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، وقوله : (
فوربك لنسألنهم أجمعين ) ، وعلى الزيادة التي لا فائدة فيها كقوله تعالى : (
فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) ، وقوله : ( كاملة ) غير مفيد لمعنى .
وكذلك قوله تعالى : (
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ) ، وقوله تعالى : (
لا تتخذوا إلهين اثنين ) إلى غير ذلك .
قلنا : أما حروف المعجم ، فلا نسلم أنه لا معنى لها ، بل هي أسامي السور ومعرفة لها .
وأما التناقض فغير صحيح ، إذ التناقض لا بد فيه من اتحاد جهة السلب والإيجاب والزمان ، وزمان إيجابه وسلبه غير متحد بل مختلف .
وأما الزيادات المذكورة فهي للتأكيد لا أنها غير معقولة المعنى .
فإن قيل : وإن كان ليس في القرآن ما لا معنى له إلا أن فيه ما لا يفهم معناه ، وهو في معنى ما لا معنى له .
وذلك كقوله تعالى : (
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) ، والواو في قوله : (
والراسخون في العلم ) ، ليست للعطف وإلا كان الضمير في قوله : (
يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) عائدا إلى جملة المذكور السابق من الله تعالى والراسخين في العلم ، وهو محال في حق الله تعالى .
فلم يبق إلا أن يكون للابتداء .
ويلزم من ذلك أن لا يكون ما علمه الرب تعالى معلوما لهم .
وأيضا فإن الآيات الدالة على اليد واليمين والوجه والروح ومكر الله والاستواء على العرش ، وغير ذلك غير محمول على ما هو مفهوم منه في اللغة ، وما هو المراد منه غير معلوم .
[ ص: 168 ] وأيضا فإن الخطاب بالقرآن كما هو مع العرب فهو مع العجم مفهوم لهم
>[1] .
قلنا : من قال بجواز التكليف بما لا يطاق
>[2] . ، جوز أن يكون في القرآن ما له معنى وإن لم يكن معلوما للمخاطب ولا بيان له
>[3] . ، ولا كذلك فيما لا معنى له أصلا لكونه هذيانا .
ومن لم يجوز التكليف بما لا يطاق منع من ذلك ، لكونه تكليفا بما لا يطاق ، ولما فيه من إخراج القرآن عن كونه بيانا للناس ضرورة كونه غير مفهوم .
وهو خلاف قوله تعالى : (
هذا بيان للناس ) ولأن ذلك مما يجر إلى عدم الوثوق بشيء من أخبار الله تعالى ورسوله ، ضرورة أنه ما من خبر إلا ويجوز أن يكون المراد به ما لم يظهر منه .
وذلك مبطل للشريعة مطلقا .
وأجاب عن الآية الأولى بأن الواو فيها للعطف
>[4] . ، وأن الضمير في قوله : (
يقولون آمنا به ) وإن كان ظاهرا
>[5] . في العود إلى جملة المذكور ، غير أنه لا بعد في تخصيصه بإخراج الرب تعالى عنه ، بدليل العقل ، المحيل لعود الضمير إليه .
وأما باقي الآيات المذكورة ، فكلها كنايات وتجوزات مفهومة للعرب بأدلة صارفة إليها ، على ما بيناه في الكلاميات
>[6]