صفحة جزء
[ 3699 ] أخبرنا أبو ذر بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكر ، وأبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ قالا حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ، حدثنا عبد المنعم بن إدريس ، حدثني أبي ، عن جده وهب بن منبه قال : ذكر وهب بن منبه : أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها ، ولم ير فيها أحدا غيره ، فقال : يا رب ، أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري ؟ قال الله : إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي . ويقدس لي ، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري ، فيسبحني فيها خلقي وسأبوئك فيها بيتا أختاره لنفسي ، وأخصه [ ص: 448 ] بكرامتي ، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي ، وأسميه بيتي ، أنظفه بعظمتي ، وأحوزه بحرمتي ، وأجعله أحق البيوت كلها وأولاها بذكري ، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي ، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السماوات والأرض ، وقبل ذلك قد كان بغيتي ، فهو صفوتي من البيوت ، ولست أسكنه ، وليس ينبغي أن أسكن البيوت ، ولا ينبغي لها أن تحملني .

أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرما وأمنا ، أحرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله ، فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرمتي ، ومن أحله فقد أباح حرمتي . من آمن أهله استوجب بذلك أماني ، ومن أخلفهم فقد أخفرني في ذمتي ، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني ، ومن تهاون به صغر عندي .

ولكل ملك حيازة ، وبطن مكة حوزتي التي حزت لنفسي دون خلقي ، فأنا الله ذو بكة ، أهلها خفرتي وجيران بيتي ، وعمارها وزوارها وفدي وأضيافي في كنفي وضماني وذمتي وجواري ،

أجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، يعجون بالتكبير عجيجا ، ويرجون بالتلبية رجيجا ، فمن اعتمره لا يريد غيري فقد زارني وضافني ووفد إلي ونزل بي ، فحق لي أن أتحفه لكرامتي ، وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره ، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته .

تعمره يا آدم ما كنت حيا ، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة ، وقرنا بعد قرن . ونبيا بعد نبي ، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد ، وهو خاتم النبيين ، فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقاته ، يكون أميني عليه ما كان حيا ، فإذا انقلب إلي وجدني قد ادخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به من القربة إلي ، والوسيلة عندي ، وأفضل المنازل في دار المقامة .

وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه ومكرمته لنبي من ولدك [ ص: 449 ] يكون قبيل هذا النبي ، وهو أبوه يقال له إبراهيم ، أرفع له قواعده ، وأقضي على يديه عمارته ، وأنيط له سقايته ، وأريه حله وحرمه ومواقفه ، وأعلمه مشاعره ومناسكه ، وأجعله أمة واحدا قانتا قائما بأمري ، داعيا إلى سبيلي ، اجتبيه ، وأهديه إلى صراط مستقيم ، أبتليه فيصبر ، وأعافيه فيشكر ، وآمره فيفعل ، وينذر لي فيفي ، ويعدني فينجز ، أستجيب دعوته في ولده وذريته من بعده ، وأشفعه فيهم ، وأجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته وسقاته وخدمه وخزانه وحجابه حتى يبتدعوا ، ويغيروا ، ويبدلوا ، فإذا فعلوا ذلك فأنا أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء .

وأجعل إبراهيم إمام ذلك البيت وأهل تلك الشريعة ، يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الجن والإنس ، يطؤون فيها آثاره ، ويتبعون فيها سنته ، ويقتدون فيها بهديه ، فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره ، واستكمل نسكه ، وأصاب بغيته ، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه ، وأخطأ بغيته ، ولم يوف بنذره . فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم ، المستكملين مناسكهم ، المتبتلين إلى ربهم ، الذي يعلم ما يبدون ، وما يكتمون .

التالي السابق


الخدمات العلمية