صفحة جزء
[ 903 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال : حدثني عبد الله بن محمد بن أحمد الهاشمي ، حدثني الحسن بن محمد الهاشمي ، عن محمد بن السماك قال : " كنت أطوف أطلب العباد والزهاد فذكر لي رجل بعبادان ، قد رفض الدنيا ، وأقبل على الآخرة جدا ، واجتهادا فأتيت عبادان ، فسألت عنه ، فوصف لي داره ، فأتيت إلى باب دار كبيرة ليس عليها إلا باب بمصراع صغير ، فقرعت الباب ، فخرجت إلي جارية خماسية فقالت : من الطارق بالباب ؟ قلت : أنا يا جارية هذا منزل فلان العابد ؟ قالت : نعم ، قلت لها : استأذني عليه ، فإن أنا دخلت عليه وهبت لك درهما ، فقالت : يا عبد الله ما رأيت أحدا هو [ ص: 287 ] أجهل منك ، ادخل فما على أبي من حاجب ، وإنما الحجاب على أبواب الملوك ، وأبناء الملوك ، فبهت متعجبا من قولها ، ثم دخلت ودخلت معها وإذا دار قوراء ليس فيها إلا بيت صغير ، فدخلت البيت ، فإذا أنا برجل قد نحل من غير سقم ، وقد احتفر قبرا عند رجليه ، وقد دلى رجليه فيه ، وفي يده خوص يشقه وهو يتلو هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .

بصوت حزين فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : أمن إخواني أنت ؟ قلت : نعم ولست من أهل البصرة ولا من أهل عبادان قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : فما اسمك ؟ قلت : محمد بن السماك قال : لعلك الواعظ ؟ قلت : نعم ، قال : فأخذ يدي بيديه جميعا ثم قال لي : مرحبا وحياك الله يا أخي بالسلام ، ومتعني وإياك في الدنيا بالإخوان يا أخي ما زالت نفسي متطلعة إلى لقائك تحب أن تعرض داءها على دواءك ، أعلمك يا أخي أن بي جرحا قديما قد أعيا المعالجين قبلك ، فتأتاه برفقك ، وألصق عليه ما تعلم أنه يلائمه من مراهمك ، قال : فعلمت أن الرجل يريد أن أعظه ، فقلت : يا أخي وهل يداوي مثلي مثلك ؟ وجرحي أنغل من جرحك ، وذنبي أعظم من ذنبك . فقال : سألتك بالله إلا ما وعظتني فقلت له : يا أخي قد علمت أن ذنبك الذي أذنبت لم يمح ، وأن لذاذتك لم تبق ، وأن الموت يطلبك صباحا ومساء ، وأنك تصير غدا إلى ضيق اللحود وظلمة القبور ، ومسألة منكر ونكير ، فلما قلت له ذلك شهق شهقة خر في قبره يخور كأنه الثور إذا وجي في منحره ، وأقبلت امرأته وابنته تبكيان من وراء الحجاب وتقولان : سألناك بالله لا تزده شيئا فتقتله علينا .

فأفاق فقال : يا أخي قد وافق دواءك دائي ، ولصق مرهمك بجرحي ، أخي ابن السماك زدني .

فقلت له : يا أخي إن أهلك وولدك قد حلفوني أني لا أزيدك شيئا فأقبل عليهم وقال : اعلم يا أخي أنه ليس أحد أشد علي وبالا ولا أعظم جرما مني إذا وقفت بين يدي ربي - من أهلي وولدي . [ ص: 288 ]

فقلت : يا أخي! ما بعد ظلمة القبور وضيق اللحود ومسألة منكر ونكير إلا الطامة . قال : وما هي يا ابن السماك ؟ فقلت له : إذا أخذ إسرافيل يعني في نفخ الصور ، وبعثر ما في القبور ، وجئنا نحن بأثقالنا نحمل على الظهور . فكم يا أخي في ذلك اليوم مناد ينادي بالويل والثبور ؟ وأعظم من ذلك أيضا توبيخ الرب إيانا عند قراءة السيئات التي قد أحصى علي وعليك فيه النقير والفتيل والقطمير ؛ وملائكة متزرون بأزر من نار ، غضاب لغضب الرحمن ينتظرون ما يقال لهم بالغضب : ( خذوه فغلوه ) .

قال : فشهق شهقة فخر في قبره كأنه ثور قد وجي في منحره ، وبال فعرفت بالبول ذهاب عقله ، فأقبلت ابنته فاجتذبته ، وأسندته إلى صدرها ومسحت وجهه بكمها ، وهي تقول : بأبي وأمي عينين طال ما سهرتا في طاعة الله بأبي وأمي عينين طال ما غضتا عن محارم الله .

وأفاق فقال لي : عليك السلام يا ابن السماك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وشهق الثالثة فظننت أنها مثل الأوليين فحركته فإذا الرجل قد فارق الدنيا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية