صفحة جزء
212 - أنا سليمان بن المغيرة قال : سمعت الجريري ، يحدث ، عن أبي نضرة ، عن أسير بن جابر قال : كنا نجلس بالكوفة إلى محدث لنا ، فإذا تفرق الناس بقي رجال ، فيهم رجل لا أسمع أحدا يتكلم كلامه ، قال : فأحببته ووقع حبه في قلبي ، قال : فبينا كذلك إذ فقدته ، فقلت لأصحابي : ذلك الرجل كذا وكذا ، الذي كان يجالسنا ، هل يعرفه أحد [ ص: 60 ] منكم ؟ فقال رجل : نعم ، ذلك أويس القرني ، قلت : هل تهدي إلى منزله ؟ قال : نعم ، فانطلقت معه ، حتى ضربت عليه حجرته قال : فخرج ، فقلت له : يا أخي ، ما منعك أن تأتينا ؟ قال : العري ، لم يكن لي شيء آتيكم فيه قال : وعلي برد ، فقلت له : البس هذا البرد ، فقال : لا تفعل ، فإني ، إن لبست هذا البرد استهزأ بي الناس وآذوني ، فلم أزل به حتى لبسه ، وخرج عليهم ، فقالوا : من خادع عن برده هذا ؟ فجاء فوضعه قال : فأتيتهم ، فقلت : ما تريدون إلى هذا الرجل ؟ قد آذيتموه ، الرجل يكتسي مرة ، ويعرى مرة قال : وأخذتهم بلساني أخذا شديدا قال : وثم رجل من أصحابه ، فهو الذي يسخر به ، فوفد أهل الكوفة إلى عمر ، ووفد ذلك الرجل فيهم ، فقال عمر : أههنا أحد من القرنيين ، فجاء ذلك الرجل ، فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إنه يقدم عليكم رجل من أهل اليمن يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم له ، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار ، أو قال : مثل موضع الدرهم ، فمن لقيه منكم ، فمروه فليستغفر لكم " قال : فقدم علينا ههنا ، فقلت : من أنت ؟ قال : أنا أويس قال : من تركت باليمن ؟ قال : أما لي ، فقلت : هل كان بك بياض ؟ فدعوت الله فأذهبه عنك ، إلا مثل موضع الدينار ، أو مثل موضع الدرهم ؟ قال : نعم ، قلت : استغفر لي قال : يا أمير المؤمنين ، أيستغفر مثلي لمثلك ؟ قال : فاستغفر له ، قال : فقلت : أنت أخي فلا تفارقني قال : فانملس مني ، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة قال : فجعل يحقره عما يقول فيه عمر ، فجعل يقول : ما ذلك فينا ، ولا نعرف هذا ؟ [ ص: 61 ] قال عمر : بلى ، إنه رجل كذا ، جعل أي يصف من أمره ، فقال ذلك الرجل : عندنا رجل يسخر به ، يقال له أويس ، قال له : أدرك قال : وما أراك تدرك ، فأقبل الرجل حتى دخل عليه ، قبل أن يأتي أهله ، فقال أويس : ما كانت هذه عادتك ، فما بالك ؟ قال : أنشدك الله لقيني عمر فقال : كذا وكذا ، فاستغفر لي قال : لا أستغفر لك حتى تجعل عليك أنك لا تسخر بي ، ولا تذكر ما سمعت من عمر إلى أحد ، قال : لك ذلك ، فاستغفر له ، قال أسير : فما لبثنا حتى فشا حديثه في الكوفة قال : فأتيته ، فقلت : يا أخي ، ألا أراك أنت العجب وكنا لا نشعر به قال : ما كان في هذا ما أتبلغ فيه إلى الناس ، وما يجزى كل عبد إلا بعمله ، قال : فلما فشا الحديث قال : هرب فذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية