[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن بلطفك يا كريم .
الحمد لله ( الذي أظهر ) بدائع مصنوعاته على أحسن النظام ، وخصص من بينها نوع الإنسان ( بمزيد ) الطول والإنعام ، وهدى أهل السعادة منهم للإيمان والإسلام ، وأرشدهم ( طريق ) معرفة استنباط قواعد الأحكام ، ليباشروا الحلال منها [ ويجانبوا ( الحرام ) ] .
وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أن
محمدا ( عبده ) ورسوله الذي فضله على جميع الأنام - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر ( الكرام ) - ما مطر غمام ، وعطر كمام .
[ ص: 4 ] أما بعد : فقد تطابق قاضي العقل ، وهو لا يبذل ولا يعزل ، وشاهد الشرع ، وهو المزكي المعدل ، على أن
أرجح المطالب وأربح المكاسب ، وأعظم المواهب ، وأكرم الرغائب هو العلم ; لأنه عمل القلب الذي هو أشرف الأعضاء ، وسعي العقل الذي هو أعز الأشياء .
وناهيك كمالا ومرتبة ، وجلالا ومنقبة بقوله عز وعلا : (
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ) . فإنه بدأ بنفسه ، وثنى بملائكته ، وثلث بأولي العلم .
وأشرف العلوم وأكملها ، وأنفع المعارف وأجلها : هو العلوم الشرعية ، والمعارف الدينية ، إذ بها يكمل انتظام المعاش في الدنيا ، ويحصل اغتنام الارتياش في العقبى .
وكان
علم أصول الفقه من جملتها في الرتبة العظمى ، والدرجة العليا ; إذ جمع فيه الرأي والشرع ، واصطحب فيه العقل والسمع .
ومما صنف فيه من الكتب الشريفة والزبر اللطيفة : ( مختصر [ منتهى الوصول ] والأمل في علمي الأصول والجدل ) .
من مصنفات
[ ص: 5 ] الإمام الفاضل المحقق العلامة :
جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المالكي ، المعروف بـ " ابن الحاجب " ( تغمده ) الله - تعالى - بغفرانه ، وكساه حلل رضوانه ، كتاب صغير الحجم ، وجيز النظم ، ( غزير العلم ) ، كبير الاسم ، مشتمل على محض المهم .
فتصديت لأن أشرحه شرحا يبين حقائقه ، ويوضح دقائقه ، ويذلل من اللفظ صعابه ، ويكشف عن وجه المعاني نقابه ، مقتصدا ، غير مختصر اختصارا يؤدي إلى الإخلال ، ولا مطنبا إطنابا يفضي إلى الإملال ،
[ ص: 6 ] [ ص: 7 ] ساعيا في حل مشكلاته ، وفتح معضلاته ، وتقرير معاقده ، وتحرير قواعده ، ودفع الشبهات الواردة على مقاصده .
و ( أسميته ) بيان المختصر " .
والمأمول من حسن أخلاق من هو منصف ، وعن مشرب الحق مغترف ، أنه إذا اطلع على خطأ وسهو ، أن يصححه مصلحا لا مفسدا ، ومعاونا لا معاندا ، ومعاضدا لا محاسدا .
اللهم وفقنا سبيل الرشاد ، ( وطريق ) السداد . وها أنا أشرع في المقصود بعون الله وحسن توفيقه .