واعترض بأن المخالفة حملت على مخالفة من إيجاب وندب .
وهو بعيد .
قولهم : مطلق .
قلنا : بل عام .
وأيضا : نقطع بأن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ولو بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل عد عاصيا .
ش - احتج المصنف على المذهب الأول بالإجماع والكتاب والعرف .
أما الإجماع ؛ فلأن الصحابة استدلوا بمطلق صيغة " افعل " بدون قرينة على الوجوب ، وشاع هذا الاستدلال وذاع ، ولم ينكر عليه أحد ، فيكون إجماعا على أن مطلق صيغة " افعل " للوجوب ، كالعمل بالأخبار ، فإنه لما اشتهر بين الصحابة العمل بها ، كان إجماعا .
وقد اعترض على هذا الدليل بأنه لا يفيد إلا ظنا ، والظن [ ص: 24 ] لا يعتد به في أمثال هذه المسائل .
أجاب بأنا لا نسلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، بل يفيد القطع ؛ لأن الإجماع قطعي .
ولئن سلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، لكن لا نسلم أن الظن لا يكفي في مدلولات الألفاظ بل يكفي في مدلول اللفظ ظهور كونه مدلولا له ، وإلا لتعذر العمل ( بأكثر الظواهر ) من الآيات والأخبار .
والمراد بقوله : إذ أمرتك ما خاطب به الملائكة ، وهو قوله تعالى : اسجدوا .
ووجه التمسك بهذه الآية أنه تعالى لما أمر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم ، وترك إبليس المأمور به ، ذمه على ترك المأمور به ، إذ ليس المراد من قوله " ما منعك " الاستفهام بالاتفاق ، فيكون للذم . فيلزم أن يكون الأمر للوجوب ، وإلا لما ذمه على ترك السجود .
واعترض على هذا الدليل بأن المخالفة لا يحمل على ترك المأمور به بل يحمل على مخالفته من وجوب وندب ، أي يحمل مخالفة الأمر على خلاف ما هو عليه بأن كان للوجوب فيحمل على الندب ، وبالعكس .
أجاب بأن حمل المخالفة على مخالفته من وجوب أو ندب بعيد ; لأن حمل المخالفة على ترك المأمور به ظاهر ، فيكون راجحا ، وحمل ( اللفظ على ) المرجوح مع وجود الراجح بعيد .
[ ص: 26 ] واعترض أيضا بأنا لا نسلم أنه يدل على أن جميع الأوامر للوجوب ، لأن الأمر في قوله تعالى عن أمره مطلق ; لكونه مفردا ، والمطلق لا يفيد العموم .
أجاب بأنه عام بدليل صحة الاستثناء .
وأيضا رتب الأمر بالحذر على مخالفة الأمر التي هي الوصف المناسب ، فحيث وجدت مخالفة الأمر وجد الأمر بالحذر ، فيكون عاما .
- وأما العرف فلأنا نقطع أن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ، ولو كان الأمر بالخياطة بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل العبد - عد عاصيا .
فلو لم يكن الأمر للوجوب لما عد عاصيا بترك المأمور به .