الأول - أن أمر الإيجاب هو طلب فعل يلام على تركه اتفاقا .
ولا يذم إلا على فعل ، لأن العدم المستمر غير مقدور ، وغير المقدور لا يذم عليه .
فالفعل الذي يذم عليه في أمر الإيجاب هو الكف أو فعل ضد المأمور به ; فيكون الكف أو فعل ضد المأمور به منهيا عنه . فيكون أمر الإيجاب مستلزما للنهي عن الكف أو فعل ضد المأمور به .
أجاب بأن هذا الدليل مبني على أن الذم على ترك فعل المأمور به من معقول الأمر على معنى أن الأمر يدل على الذم عقلا ، لا أنه يعلم الذم على ترك فعل المأمور به بدليل خارجي .
وهو ممنوع ; إذ العلم بالذم على الترك مستفاد من دليل خارجي . ولهذا جوز بعض الأصوليين الإيجاب بدون الذم . ولو كان الذم من معقول الإيجاب لما تمكن من تجويزه .
ولئن سلم أن الذم على الترك من معقول الأمر ، لكن لا نسلم أن الذم إنما يكون على الفعل ; فإنه يجوز أن يكون الذم على أنه لم يفعل ، لا على فعل .
[ ص: 60 ] قوله : العدم غير مقدور .
قلنا : ممنوع .
ولئن سلم أن الذم على الفعل ، فلا يكون الكف منهيا عنه ; لأن النهي هو طلب كف عن فعل ، لا طلب كف عن كف ، وإلا أدى إلى وجوب تصور الكف عن الكف لكل آمر ، لأن الأمر بالشيء يستلزم تصور النهي عن الكف الذي هو طلب الكف عن الكف .
وهو باطل قطعا ; لأنا نعلم أن الآمر لا يتصور الكف عن الكف حين يأمر .
وإذا لم يكن النهي طلب كف عن كف لم يكن الكف الذي ذم عليه منهيا عنه ، فلا يستلزم الأمر بالشيء النهي عن الكف ولا عن الضد .
الثاني - أن الأمر بالشيء يستلزم كون المأمور به واجبا ، والواجب لا يتم إلا بترك الضد .
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب : فترك الضد واجب [ ص: 61 ] وترك الضد الكف عنه أو نفيه . فيكون الكف عن ضد المأمور به أو نفيه مطلوبا فيكون ضد المأمور به منهيا عنه ; لأن معنى النهي طلب الكف عن الضد أو طلب نفيه . فيكون الأمر بالشيء مستلزما للنهي عن ضده .
وقد تقدم جوابه ; وهو أنه ليس كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، بل ما لا يتم الواجب إلا به إذا كان شرطا شرعيا كان واجبا . وترك الضد لا يكون شرطا شرعيا . فلا يلزم من وجوب الشيء وجوبه .