لنا : أن فساده سلب أحكامه وليس في اللفظ ما يدل عليه لغة قطعا .
وأما كونه يدل شرعا فلأن العلماء لم تزل تستدل على الفساد بالنهي في الربويات والأنكحة وغيرها وأيضا : لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة للنهي ، ومن ثبوته حكمة للصحة ، واللازم باطل ; لأنها في التساوي .
ومرجوحية النهي يمتنع النهي لخلوه عن الحكمة ، وفي رجحان النهي تمتنع الصحة لذلك .
[ ص: 89 ] ش - النهي عن الشيء لا يخلو من أن يكون لعينه ، أو لما يقارنه ، كالنهي عن البيع وقت النداء .
فإن كان لما يقارنه لا يدل على فساد المنهي عنه عند الجمهور ، خلافا للحنابلة .
وإن كان النهي عن الشيء لعينه - فقد اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب :
الأول : أنه يدل على الفساد مطلقا .
وقد افترق القائلون به فرقتين :
فذهب طائفة إلى أنه يدل على الفساد شرعا لا لغة ، سواء كان في العبادات أو في المعاملات .
وأخرى إلى ( أنه ) لا يدل على الفساد في العبادات والمعاملات لغة .
وثانيها : أنه لا يدل على الفساد مطلقا .
وقد افترق القائلون به فرقتين :
فذهبت طائفة إلى أنه لا يدل على الصحة .
وأخرى إلى أنه يدل على الصحة .
وثالثها : أنه يدل على الفساد شرعا في الإجزاء ؛ أي في [ ص: 90 ] العبادات ، ولا يدل على الفساد في السببية ؛ أي في المعاملات . واختار المصنف ما ذهبت إليه الفرقة الأولى من القائلين بالمذهب الأول .
واحتج بالخبر السلبي منه ، وهو أنه لا يدل على الفساد فيهما لغة بأن فساد المنهي عنه - سواء كان عبادة أو معاملة - عبارة عن سلب أحكامه .
فلو دل النهي عن الشيء على فساده لغة لكان في اللفظ ما يدل لغة على سلب أحكام المنهي عنه . لكن ليس في اللفظ ما يدل لغة على سلب أحكام المنهي عنه ; لأن معنى النهي في اللغة اقتضاء الامتناع عن الفعل ، وسلب الأحكام لا يكون عينه ولا جزءا ولا لازما له من حيث اللغة ; لأنه لو قال واحد : لا تبع غلامك فإنك لو بعت ثبت حكم البيع ، وهو ثبوت الملك للمشتري - لم يكن مخطئا لغة .
( فلو كان سلب الحكم لازما لمعنى النهي لغة لكان مخطئا لغة ) واحتج على الخبر الثبوتي من مذهبه ، وهو أنه يدل على الفساد فيهما شرعا بوجهين :
الأول : أن العلماء من المتقدمين والمتأخرين لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي في الربويات وفي الأنكحة وفي غيرها من [ ص: 91 ] العبادات ، ولم ينكر عليهم . فيكون ذلك إجماعا منهم على أنه يدل على الفساد .
الثاني : أنه لو لم يدل النهي على الفساد شرعا لزم أن يكون لنفي المنهي عنه حكمة يستدعي النهي ، ولثبوت النهي عنه أيضا حكمة يستدعي صحة المنهي .
واللازم باطل ; لأن حكمة الصحة وحكمة النهي إن تساوتا امتنع النهي لخلوه عن الحكمة ، وإن ترجح حكمة الصحة امتنع النهي أيضا لذلك ، وإن ترجح حكمة النهي امتنع الصحة لخلوه من حكمة الصحة .