والدليل عليه أن نقطع بأن رجالا في الجموع كرجل في الوحدان . فكما أن رجلا في الوحدان لا يستغرق جميع آحاده ، فكذلك رجال في الجموع لا يستغرق جميع مراتب الجمع ، ورجل في الوحدان ليس بعام ، فكذا رجال في الجموع .
وأيضا : نقطع بأنه لو قال : له عندي عبيد صح تفسيره بأقل الجمع ، وهو الثلاثة أو الاثنان على اختلاف الرأيين .
فلو كان الجمع المنكر عاما - لما صح تفسير عبيد بأقل الجمع ; إذ لا يجوز تفسير العام بواحد من مسمياته .
فلهذا لو قال : أكلت كل الرمان ، ثم قال : أردت واحدة [ ص: 123 ] لم يصح .
والقائلون بأن الجمع المنكر عام قالوا : صح إطلاق الجمع المنكر على كل واحد من مراتب الجمع ، فيحمل على جميع مراتب الجمع ; لأن حمله على جميع مراتب الجمع حمل على جميع حقائقه ، والحمل على جميع الحقائق أولى من حمله على البعض ، فيكون عاما .
أجاب بأنا لا نسلم أن حمله على جميع حقائقه أولى .
وذلك لأن نحو رجل صح إطلاقه على كل واحد من أجزائه التي هي حقائقه ، ولا يحمل على جميع أفراده ، وإنما صح إطلاقه على كل واحد من أفراده على طريق البدل .
فكذلك الجمع المنكر إنما يصح إطلاقه على كل واحد من مراتب الجمع بطريق البدل ، وحينئذ لا يكون عاما .
وبعض الشارحين قرر كلام المصنف على وجه آخر ، وهو : أن الجمع المنكر يصح إطلاقه على كل واحد من مراتب الجمع بطريق الحقيقة ومن جملتها الجمع المستغرق ، فيحمل عليه ؛ لأنه حمل على كل حقائقه ، وهو أولى .
أجاب بأنه منقوض برجل ; لصحة إطلاقه على كل واحد من الأفراد ، مع أنه ليس للعموم بالاتفاق .
ثم قال : والمصنف جوز إطلاقه على مراتب الجمع بطريق [ ص: 124 ] البدل .
وفيه بحث من حيث إن من مراتب الجمع المرتبة المستغرقة ، وصدقه عليها إن كان بطريق الحقيقة حصل مدعى المستدل .
هذا ما قاله .
ولا يخفى أنه لو حمل كلام المصنف على هذا لم يستقم الرد نحو رجل ; لأن نحو رجل لا يوجد في مسمياته ما يستغرق جميع الأفراد ، فلهذا لم يحمل على جميع حقائقه ، بخلاف رجال ، والحق أنه لم يوجد في مراتب الجمع مرتبة مستغرقة لجميع المراتب ; إذ لا مرتبة إلا وتكون فوقها مرتبة أخرى .
وإذا لم يوجد مرتبة مستغرقة لجميع مراتب الجمع لم يمكن حمل الجمع عليها .
فإن قيل : يمكن أن يفرض مرتبة مستغرقة لجميع مراتب الجمع ، وإن لم يوجد فيحمل الجمع على تلك المرتبة المفروضة المستغرقة ، وحمل اللفظ لا يحتاج إلى تحقيق مسماه ، بل يكفي فيه الفرض .
أجيب بأن كل مرتبة تفرض . فقد يمكن أن يفرض فوقها [ ص: 125 ] مرتبة أخرى ، وألا يلزم أن يكون المراتب متناهية ، وليس كذلك .
وإذا كان كل مرتبة تفرض فقد يمكن أن يفرض فوقها مرتبة أخرى لم يتصور فرض مرتبة تستغرق جميع المراتب .
فإن قيل : على هذا التقدير لم يتصور جمع عام ، لأن الجمع العام إنما يتصور إذا كان مستغرقا لجميع مراتب الجمع ، ( والتقدير أنه لم يتصور ما يكون مستغرقا لجميع مراتب الجمع ) .
أجيب بأن الجمع العام باعتبار مفهوم الجمع المطلق الشامل لجميع المراتب الغير المتناهية التي هي أفراد الجمع المطلق ، لا باعتبار مرتبة واحدة مستغرقة لجميع المراتب الأخر .
والممتنع الثاني ، لا الأول ; فإنه يجوز أن يكون الجمع المطلق مشتركا بين المراتب الغير المتناهية .
ولا يلزم من كونه مشتركا بين المراتب الغير المتناهية ، أن تكون تلك المراتب متناهية .
ولا يجوز أن تكون مرتبة واحدة مستغرقة لجميع المراتب الغير المتناهية ، وإلا يلزم أن يكون غير المتناهي متناهيا .
والحاصل أن تناول مفهوم الجمع لجميع مراتب الجمع ، تناول الكلي لجزئياته ويجوز أن تكون الجزئيات الغير المتناهية مندرجة تحت [ ص: 126 ] كلي . وتناول مرتبة واحدة لجميع المراتب تناول الكل لأجزائه ، ولا يجوز أن يكون الكل مشتملا على الأجزاء الغير المتناهية ، فلهذا يتصور الجمع العام ، ولا يتصور مرتبة واحدة مستغرقة لجميع المراتب .
والقائلون بأن الجمع المنكر عام قالوا أيضا : لو لم يكن الجمع المنكر للعموم لكان مختصا ببعض الجموع دون بعض ، وإلا يلزم الاشتراك وهو خلاف الأصل .
والتالي باطل بالاتفاق .
أجيب بمنع انتفاء التالي أولا ، فإنه منقوض بنحو رجل .
وذلك لأن رجلا لا يكون للعموم ، ومع هذا يجوز اختصاصه ببعض أفراده دون بعض .
وبمنع الملازمة ثانيا ؛ فإنا لا نسلم أنه إذا لم يكن للعموم يلزم اختصاصه ببعض الجموع ، فإنه موضوع للجمع المطلق المشترك بين الجموع ، فيصح أن يكون لكل واحد من تلك الجموع على البدل من حيث إن مدلوله متحقق فيه ، فلا يلزم الاشتراك .