أجاب بأن قوله : إن شاء الله شرط لا استثناء ، ولا يلزم من عود الشرط إلى الجميع عود الاستثناء إليه .
وإن ألحق الاستثناء بالشرط لجامع بينهما كان قياسا في اللغة ، وهو غير صحيح .
وإن سلم جواز القياس في اللغة فالفرق بينهما ثابت ; فإن الشرط ، وإن كان متأخرا لفظا ، فهو مقدم تقديرا ، بخلاف الاستثناء ، فحينئذ يجوز عود الشرط إلى الجميع لتقدمه ولا يجوز عود الاستثناء إلى الجميع لتأخره .
ولئن سلم عدم الفرق بينهما فلا ينتهض نقضا ; لأنه ها هنا إنما عاد إلى الجميع بقرينة دالة على اتصال الأخيرة بما قبلها ، وتلك القرينة هي اليمين .
الثالث - أن الجمل المتعاطفة بالواو ، قد يحتاج كل واحد [ ص: 284 ] منها إلى الاستثناء .
فلو لم يكن الاستثناء عائدا إلى الجميع لما كان تكرر الاستثناء مستهجنا .
والتالي باطل ؛ لأنه لو كرر الاستثناء لكان مستهجنا ; لأنه لو قيل : إن سرق زيد فاضربه إلا أن يتوب ; أو شرب فاضربه إلا أن يتوب ، أو زنى فاضربه إلا أن يتوب - لكان مستهجنا عند أهل اللغة .
أجاب بأن تكرر الاستثناء إنما يكون مستهجنا عند وجود قرينة دالة على اتصال الجمل بعضها بالبعض .
أما عند عدم قرينة اتصالها - فلا نسلم أن التكرر مستهجن .
ولو سلم أن تكرر الاستثناء مستهجن مطلقا ، سواء وجد قرينة الاتصال أو لم يوجد ، لكن الاستهجان إنما يكون لطول الكلام مع إمكان رعاية الاختصار ، بأن نقول بعد الجمل : إلا كذا في الجميع .
الرابع - الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعاطفة بالواو يصلح عوده إلى الكل ، كما يصلح عوده إلى البعض ، والعود إلى البعض تحكم ; لأن العود إلى البعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، كالعام .
[ ص: 285 ] أجاب بأن صلاحية الاستثناء للعود إلى الجميع لا توجب ظهور الاستثناء في العود إلى الكل ، كالجمع المنكر ، فإنه يصلح أن يكون لكل الأفراد ، مع أنه غير ظاهر فيه .
قيل : لقائل أن يقول : ليس الاستدلال بمجرد الصلوح للكل ، بل به وبتعذر الحمل على البعض . فإنه لما صلح للكل والبعض ، وتعذر الحمل على البعض ، تعين الكل صيانة للدليل عن الإلغاء .
والفرق بينه وبين الجمع المنكر ظاهر ; فإنه لا تعذر ثمة .
بل الجواب : منع التحكم عند الحمل على البعض ؛ إذ العود إلى الأخيرة راجح ; لأنه أقرب . والمتقدم وإن كان راجحا بالسبق ، لكن الأقرب أرجح .
الخامس - لو قال قائل : علي خمسة وخمسة إلا ستة ، يعود الاستثناء إلى الكل بالاتفاق ، فكذا في جميع الصور ، دفعا للاشتراك والمجاز .
أجاب أولا بأن هذا غير محل النزاع ; لأن الكلام في الاستثناء الواقع بعد جمل متعاطفة بالواو . وها هنا قد وقع الاستثناء بعد المفردات .
وثانيا - بأنه يعود الاستثناء في هذه الصورة إلى الكل للتعذر ; [ ص: 286 ] فإنه لو حمل على الأخيرة لم يستقم ; لأنه يستلزم الاستغراق ، بخلاف محل النزاع فإنه لم يتعذر العود إلى الأخيرة .