وذهب القاضي إلى أنه مجمل لتعدد ما يصلح أن يقدر لتعلق النفي به ، وامتناع تقدير الكل لاندفاع الضرورة بالبعض ، وامتناع بعض معين لعدم الأولوية .
واحتج المصنف على أنه لا إجمال فيه بأنه إن ثبت عرف شرعي في الصحيح ، فلا إجمال ، أي إن ثبت أن الشارع نقله من نفي الصلاة إلى نفي الصلاة الصحيحة فلا إجمال .
[ ص: 372 ] وإلا - أي وإن لم يثبت عرف شرعي - فالعرف اللغوي في مثل هذا التركيب يقتضي إضمار الفائدة ، أي لا فائدة لصلاة إلا بطهور ، مثل : لا علم إلا ما نفع ؛ أي لا فائدة لعلم إلا ما نفع ، فلا إجمال أيضا .
فلو فرض انتفاء العرف الشرعي واللغوي في مثل ذلك فنفي الصحة أولى من نفي الفضيلة ؛ لأنه إذا انتفى صحة الشيء يصير كالعدم ; لأنه حينئذ لا يكون معتدا به .
بخلاف ما إذا انتفى الفضيلة ، فإنه لا يصير كالعدم ; لأنه قد يكون معتدا به عند انتفاء الفضيلة ، فكان نفي الصحة أقرب إلى الحقيقة المتعذرة التي هي نفي الوجود .
فإن قيل : هذا الاستدلال فاسد ; لأنه إثبات اللغة بالترجيح ; وإثبات اللغة بالترجيح باطل بالاتفاق .
أجيب بأن هذا الاستدلال إثبات لأولوية أحد المجازات ( بعد تعذر الحقيقة بالعرف ؛ وإثبات أحد المجازات ) بالعرف جائز .
قيل : كيف صح جوابه بإثبات المجاز بالعرف ، والتقدير انتفاء العرف الشرعي واللغوي ؟ .
أجيب بأنه أراد بهذا العرف عرف الأصوليين ؛ فلا منافاة .
قيل : إن التأمل يأبى هذا الجواب ، لأن كلام الشارع لا يرد [ ص: 373 ] على ما هو مصطلح حدث بعد ظهور الشرع .
والأولى أن يقال في جوابه : إن هذا الجواب على تقدير انتفاء الحقيقة الشرعية والعرفية ، وانتفاؤهما لا يوجب انتفاء عرف المجاز .
احتج القائلون بالإجمال بأن عرف الشرع مختلف في الكمال والصحة في مثل هذا التركيب ; لأنه يرد هذا التركيب في الشرع تارة لنفي الصحة ، وأخرى لنفي الكمال ، وإذا اختلف عرف الشرع فيهما كان مجملا .
أجاب بأنا لا نسلم أن وروده في الشرع مختلف ، بل الاختلاف إنما حصل من اختلاف العلماء في تقديره ; فإن بعضهم يقدر الصحة ، وبعضهم يقدر الكمال .
ولئن سلم أن وروده في الشرع مختلف ، ولكن لا نسلم أن اختلاف عرف الشرع يوجب الإجمال ; لأن اختلاف عرف الشرع إنما يوجب الإجمال أن لو تساوى عرف الشرع فيهما وهو ممنوع ; لأن نفي الصحة راجح بما ذكرنا ؛ فلا إجمال .