ص - وأيضا : لو لم يدل على المخالفة لم يكن لتخصيص محل النطق بالذكر فائدة .
وتخصيص آحاد البلغاء لغير فائدة ممتنع ، فالشارع أجدر . اعترض : لا يثبت الوضع بما فيه من الفائدة .
وأجيب بأنه يعلم بالاستقراء إذا لم تكن للفظ فائدة سوى واحدة - تعينت .
وأيضا : ثبتت دلالة التنبيه بالاستبعاد اتفاقا فهذا أولى .
[ ص: 455 ] واعترض بمفهوم اللقب .
وأجيب بأنه لو أسقط لاختل الكلام ، فلا مقتضى للمفهوم ، وأعترف بأن فائدته تقوية الدلالة حتى لا يتوهم تخصيص ، وأجيب بأن ذلك فرع العموم ، ولا قائل به .
وإن سلم في بعضها خرج ; فإن الفرض أنه شيء يقتضي تخصيصه سوى المخالفة .
واعترض بأن فائدته ثواب الاجتهاد بالقياس فيه .
وأجيب بأنه بتقدير المساواة يخرج وإلا اندرج .
ش - هذه حجة أخرى على أن مفهوم الصفة حجة ، وتوجيهها أن يقال : لو لم يدل تعليق الحكم بإحدى صفتي الذات على نفيه عما عداها - لم يكن لتخصيص محل النطق بالذكر فائدة .
والتالي باطل .
أما الملازمة فلأن الغرض أن ما يوجب التخصيص من الأمور المتقدمة معدوم ، والأصل عدم غيره .
وأما انتفاء التالي فلأن تخصيص آحاد البلغاء يمتنع أن يكون لغير فائدة ، فتخصيص الشارع أجدر وأولى بأن لا يكون لغير فائدة .
[ ص: 456 ] واعترض على هذه الحجة من أربعة أوجه .
الاعتراض الأول - أن هذا الدليل يرجع إلى إثبات الوضع - أي دلالة المنطوق على المفهوم لغة - بما فيه من الفائدة ؛ لأنكم قلتم : لا فائدة للتخصيص سوى نفي الحكم عما عدا ذلك الوصف ، فيكون اللفظ موضوعا له لغة ، ولا يثبت الوضع بالفائدة .
أجاب بوجهين :
الأول - أنه لا نسلم أنه أثبت الوضع بالفائدة ، بل أثبت بالاستقراء ، فإنا نعلم بالاستقراء أنه إذا لم يكن للفظ سوى فائدة واحدة تعينت تلك الفائدة لكونها مرادة من اللفظ .
الثاني - أنه ثبت دلالة التنبيه بالاستبعاد اتفاقا ; فإنا قد بينا في أقسام الصريح أنه إذا اقترن بالحكم معنى لو لم يكن لتعليله - استبعد ذكره معه ، يكون ذلك المعنى علة . فإثبات دلالة المفهوم حذرا عن لزوم الامتناع في كلام الشارع أولى .
الاعتراض الثاني - الدليل الذي ذكرتم منقوض بمفهوم اللقب ; فإن الدليل بعينه قائم فيه بأن يقال : تخصيص الاسم بالحكم لا بد فيه من فائدة سوى نفيه عما عداه ; لأن الفرض أن الفوائد المتقدمة منفية . ومفهوم اللقب مردود بالاتفاق .
[ ص: 457 ] أجاب بالفرق بين مفهوم اللقب ومفهوم الصفة ؛ فإن فائدة تخصيص اللقب بالذكر حصول الكلام ; لأنه لو أسقط لاختل الكلام ، فلا يتحقق مقتضى المفهوم فيه ، لأن مقتضى المفهوم تعين الفائدة المذكورة ، ولم يتعين الفائدة المذكورة لتحقق فائدة أخرى ، وهو حصول الكلام .
بخلاف مفهوم الصفة ؛ فإن حصول الكلام لا يكون فائدة لتخصيصها بالذكر ; فإنه لو أسقطت الصفة لم يختل الكلام فلم يتحقق للتخصيص فائدة سوى الفائدة المذكورة ، فيتحقق مقتضى المفهوم فيه .
الاعتراض الثالث - أن يقال : لا نسلم أنه لو لم يدل على نفي الحكم - عما عداه - لم يكن للتخصيص فائدة ، لم لا يجوز أن يكون فائدة ذكر الصفة تقوية دلالة ما جعل الوصف وصفا له على إفراده الصفة بتلك الصفة ، حتى لا يتوهم تخصيص تلك الأفراد عما جعل الوصف وصفا له ؟
أجاب بأن هذه الفائدة فرع العموم ، أي هذه الفائدة إنما يحصل إذا كان الاسم المقيد بالصفة عاما ، ولا قائل بعموم مثل هذا الاسم .
ولئن سلم العموم في بعض الصور فيخرج حينئذ عن محل النزاع ؛ لأنه حينئذ يكون للتخصيص فائدة غير المخالفة في الحكم .
والفرض أنه لا شيء يقتضي تخصيصه سوى المخالفة في الحكم فيكون غير المفروض الذي هو محل النزاع .
[ ص: 458 ] الاعتراض الرابع - أنا لا نسلم أن لا فائدة للتخصيص سوى المخالفة في الحكم ، لم لا يجوز أن يكون فائدة التخصيص ثواب الاجتهاد بالقياس فيه ؛ فإن تخصيص الوصف بالذكر مشعر بعليته ، فيجتهد المجتهد ويثبت الحكم في صورة أخرى ، فيحصل ثواب الاجتهاد ؟
أجاب بأنه إن ثبت المساواة بين الفرع والأصل في الوصف يخرج عن محل النزاع ; إذ النزاع إنما وقع فيما لا يكون غير المنطوق مساويا للمنطوق في علة الحكم .
وإن لم يثبت المساواة بينهما في الوصف اندرج فيما لا فائدة له سوى المخالفة في الحكم ; لاستحالة القياس حينئذ .