فلو لم يكن الذبح مأمورا به لم يقدم عليه ، ولم يخوف ولده .
وأما أنه نسخ فلقوله تعالى : ( وفديناه بذبح عظيم ) وأما أنه نسخ قبل التمكن ، أي قبل وقته ، فلأنه لو تمكن من الذبح لكان عاصيا بتأخيره .
واعترض على هذا بأنه يجوز أن يكون وجوب الذبح موسعا ، ونسخ بعد مضي وقت يسع الذبح فيه ، فحينئذ لا يكون النسخ قبل وقت الفعل .
أجاب عنه بوجهين :
الأول - أن ذلك ، أي الوقت الموسع لا يمنع رفع تعلق [ ص: 516 ] الوجوب بالمستقبل ، أي لا يمنع رفع تعلق الوجوب قبل وقت الفعل ; لأن وجوب الفعل باق على المكلف إذا لم يأت بالفعل في أول الوقت الموسع ، وبقاء الوجوب على المكلف هو المانع عند الخصوم عن النسخ .
فيمتنع النسخ في باقي الوقت الموسع .
ويمتنع أيضا بعد انقضاء الوقت الموسع ؛ لانقطاع التكليف بنفسه .
ويمتنع أيضا في أول الوقت الموسع لتحقق الوجوب فيه .
فتعين أن يكون النسخ قبل الوقت الموسع .
الثاني - أنه لو كان وجوب الذبح موسعا لأخره ؛ لأن العادة تقضي بتأخير مثل هذا الفعل رجاء لنسخه أو موت أحدهما ، لعظم مثل هذا الأمر .
وقد دفع جماعة من الأصوليين هذا الاستدلال بأن إبراهيم لم يؤمر بالذبح ، وإنما توهم الأمر به .
أو أمر بمقدمات الذبح لا بنفسه .
أجاب المصنف بأن هذا الدفع ليس بشيء ; لأنه لو لم يؤمر بالذبح لما احتاج إلى الفداء .
[ ص: 517 ] ودفعوا أيضا بأنه يجوز أنه ذبح والتحم عقيبة ، أي صار صحيحا ؛ يقال : التحم الجرح للبرء .
وبأنه يجوز أنه جعل الله تعالى على حلقه صفيحة نحاس أو حديد ، فيمتنع الذبح ، لا أنه نسخ .
أجاب بأنه لا يسمع هذا الدفع .
أما الأول - فلأنه لو ذبح والتحم لم يحتج إلى الفداء .
وأما الثاني - فلأنه حينئذ يكون الأمر بالذبح تكليفا بما لا يطاق ، وهو محال عند المعتزلة .
ومع هذا يلزم أن يكون نسخا قبل التمكن ; لأنه لم يتمكن من الذبح عند وجود الصفيحة .