الأول : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة ، لكانت [ ص: 56 ] كل واحدة منها مستقلة غير مستقلة ، والتالي ظاهر الفساد ، فالمقدم مثله .
بيان الملازمة : أن معنى استقلال العلة ثبوت الحكم بها بانفرادها ، فإذا تعددت العلل المستقلة ، ثبت الحكم بكل واحدة منها ; لأنها علة مستقلة ، ولم يثبت بكل منها; لأنه ثبت بالجميع ، فيلزم التناقض .
أجاب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت ، استقلت في العلية ، فيجوز أن تكون كل واحدة منها حالة الانفراد مستقلة ، وحالة الاجتماع غير مستقلة ، فلا يلزم التناقض في حالة التعدد لعدم استقلال كل منهما حينئذ ، والتناقض إنما نشأ من استقلالها حالة التعدد .
والثاني : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين ، يلزم اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل ، وكل واحد منهما محال ، أما الملازمة ; فلأن العلتين إما أن تكونا معا أو على الترتيب ، فإن كانتا معا ، يلزم اجتماع المثلين ; لأن وجود العلة المستقلة ملزومة لمعلولها ، فيلزم من كل واحدة منهما مثل ما لزم من الأخرى ، فيلزم اجتماع المثلين .
وإن كانتا على الترتيب ، يلزم تحصيل الحاصل .
أما بيان تحصيل الحاصل فظاهر ، وأما بيان استحالة اجتماع المثلين ; فلأنه يلتزم التناقض ; لأن محل التعليل ، يعني الحكم ، يكون مستغنيا عن كل واحدة منهما ، غير مستغن ; لأن حصول الحكم لكل واحدة منهما يوجب الاستغناء عن الأخرى .
[ ص: 57 ] قال بعض الشارحين : ولقائل أن يقول : الجمع بين المثلين لا اختصاص له بالمعية ، ولا تحصيل الحاصل بالترتيب ، إذ لو حصلت العلتان معا أو ترتبا ، فإن كان تأثير الكل في كل واحد معين ، كان تحصيل الحاصل ، وإن كان في غيره لزم اجتماع المثلين .
وفيه نظر ; لأن اختصاص تحصيل الحاصل بالترتيب ظاهر ; لأن العلتين إذا حصلتا معا ، كان فعلهما أيضا معا ، فلا يتصور تحصيل الحاصل في فعل واحدة منهما ; لأن تحصيل الحاصل إنما يتصور إذا حصل شيء بعد حصوله مرة أخرى .
وأما اجتماع المثلين ، وإن كان لا اختصاص له بالمعية ، إلا أنه لما كان الترتيب مستلزما لتحصيل الحاصل ، وتحصيل الحاصل أظهر فسادا من اجتماع المثلين ، لم يتعرض في الترتيب لاجتماع المثلين ، بل بين استلزامه لما هو أظهر فسادا منه .
ثم قال : وأيضا لم يحتج في لزوم الاستغناء وعدمه إلى توسط الجمع بين المثلين ، وهو حق .
أجاب المصنف بأن اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل إنما يلزم من العلتين المستقلتين في العلل العقلية المفيدة لوجود المعلول ، وأما في العلل الشرعية التي هي دلائل الأحكام فلا; لأنه جاز أن يكون لمدلول واحد دليلان ، أو دلائل .
الثالث : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، لما تعلقت الأئمة في علة الربا بالترجيح ، يعني ترجيح عللها من الطعم والقوت والكيل ، بعضها على بعض ، [ ص: 58 ] والتالي باطل ; لأنهم تعلقوا بالترجيح .
بيان الملازمة : أن من ضرورة جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، صحة استقلال كل منها بالعلية ، والترجيح ينافي صحة الاستقلال ; لأنه إذا صح أن يكون كل واحدة منها علة مستقلة ، جاز أن يكون الجميع علة ، فلا وجه للترجيح .
أجاب بأنهم تعرضوا للطعم والقوت والكيل ; لإبطال كون الغير علة بالترجيح .
ولو سلم أنهم تعرضوا للترجيح ، فلا نسلم أنهم تعرضوا للترجيح ; لامتناع التعليل بعلتين مستقلتين ، بل للإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، أي في الربا ، وإلا - أي وإن لم يتعرضوا للترجيح - لزم جعلها - أي جعل علل الربا - أجزاء للعلة ; لأنهم لما أجمعوا على اتحاد العلة هاهنا ، لم يمكن أن يجعل كل واحدة منها علة مستقلة .
فلو لم يتعرضوا للترجيح حتى يتعين الراجح للعلية ، يلزم أن يكون كل منها جزء علة ; لأن جعل أحدهما علة من غير ترجيح محال ، ولا قائل بكون كل منها جزء علة .