[ ص: 74 ] الأول : أنه يجوز مطلقا ، واحتج عليه بأن الحكم الشرعي قد يدور مع حكم آخر وجودا وعدما ، والدوران آية كون المدار علة للدائر .
الثاني : أنه لا يجوز مطلقا ، واحتج عليه بأن الحكم الشرعي المعلل ، إما أن يكون مقدما على الحكم الذي جعل علة له ، أو متأخرا ، أو معه . والأول باطل ; لاستحالة تقدم المعلول على العلة ، وكذا الثاني ; لاستحالة تخلف المعلول عن العلة .
وكذا الثالث ، إذ لا أولوية لتعليل أحدهما بالآخر .
أجيب عن الأول بأن الدوران لا يفيد العلية لما سنذكره ، وعن الثاني : لا نسلم أنه لا أولوية لجعل أحدهما علة ; لأن أحد الحكمين جاز أن يكون مناسبا للآخر من غير عكس ، فحيئنذ يكون المناسب أولى بالعلية .
والمذهب الثالث المختار عند المصنف التفصيل ، وهو أن الحكم الشرعي المجعول علة ، إن كان باعثا على حكم الأصل [ ص: 75 ] لتحصيل مصلحة ، جاز التعليل به ، إذ لا استبعاد في أن يكون ترتب أحد الحكمين على الآخر مستلزما حصول مصلحة ، لا يستقل بها أحدهما ، وذلك كالنجاسة في علة بطلان بيع الخمر ، فإنه يترتب حرمة البيع على النجاسة التي هي حكم شرعي ، فيحصل التنزه عنه وإن لم يكن باعثا - أو كان ، لكن لا لتحصيل مصلحة ، بل لدفع مفسدة لازمة عن حكم الأصل - لم يجز .
أما إذا لم يكن باعثا ، فلعدم أولوية أحدهما بالتعليل ، وأما إذا كان باعثا لدفع مفسدة ; فلأن حكم الأصل لو كان مشتملا على المفسدة ، لما شرعه الشارع .