وقيل : إن قوله - عليه الصلاة والسلام - لما سأله عمر عن قبلة الصائم : " أرأيت لو تمضمضت ، ثم مججته ، أكان ذلك مفسدا ؟ فقال : لا " . من ذلك .
[ ص: 95 ] وقيل : إنما هو نقض لما توهمه عمر - رضي الله عنه - من إفساد مقدمة الإفساد ، لا تعليل لمنع الإفساد ، إذ ليس فيه ما يتخيل مانعا ، بل غايته أن لا يفسد .
فإنه لو لم يكن تقدير قضاء الدين عن الميت لأجل تعليل النفع به ، لكان تقديره بعيدا .
ولما كان الوصف المقدر في غير المسئول علة للحكم ، وجب أن يكون نظير ذلك الوصف في المسئول علة للحكم ، فإن في كلام الرسول - عليه السلام - تنبيها على الأصل الذي هو دين الآدمي على الميت ، وعلى الفرع الذي هو الحج الواجب عليه ، وهو نظير لدين الآدمي ، وعلى العلة التي هي قضاء الدين عن الميت .
فقال بعض الأصوليين : هو من مثال النظير ، فإنه - عليه السلام - قدر الوصف في نظير المسئول ، ورتب الحكم عليه ، ونبه على الأصل والفرع والعلة .
وقال بعضهم : إنما هو نقض لما توهمه عمر من إفساد مقدمة الإفساد ، أي توهم عمر أن القبلة التي هي مقدمة الوقاع المفسد مفسد ، فنقض الرسول - عليه السلام - ذلك بالمضمضة ; فإنها مقدمة الشرب المفسد ، مع أنها غير مفسدة ، لا تعليل لمنع الإفساد ، أي لم يقدر الرسول - عليه السلام - تمضمض الماء لتعليل منع الإفساد ; إذ ليس في تمضمض الماء ما يتخيل أن يكون مانعا من الإفساد ، فإن مقدمة المفسد لا يتخيل منها منع الإفساد ، بل غاية التمضمض أن لا يفسد ; لأن غاية المقدمة أن لا تقام مقام ما تكون مقدمة له ، إلا أن تكون مانعة مما يقتضيه .