قالوا : الصلاة في الدار المغصوبة تلزم مصلحة ومفسدة تساويها أو تزيد ، وقد صحت .
قلنا : مفسدة الغصب ليست عن الصلاة ، وبالعكس .
[ ص: 121 ] ولو نشأتا معا عن الصلاة ، لم تصح ، والترجيح يختلف باختلاف المسائل ، ويرجح بطريق إجمالي ، وهو أنه لو لم يقدر رجحان المصلحة ، لزم التعبد بالحكم .
ش - لا خلاف في أن الوصف إذا اشتمل على مصلحة خالصة ، أو راجحة على المفسدة ، يكون مناسبا ، وإذا اشتمل الوصف على مصلحة ومفسدة راجحة أو مساوية لها ، فقد اختلفوا فيه ، والمختار أنه ينخرم مناسبته للحكم .
والدليل أن العقل يقضي بأن المصلحة إذا كانت مع مفسدة مثلها ، لا تكون مصلحة مطلوبة ، ولهذا إذا أخذ واحد يسعى لتحصيل مثل هذا المصلحة ، ينسبه أهل العقل إلى السفه .
ولما ثبت انخرام المناسبة ، فيما إذا كانت المفسدة مساوية للمصلحة ، يثبت انخرامها فيما إذا كانت راجحة ، فلذلك لم يتعرض المصنف له .
المانعون من انخرام المناسبة قالوا : الصلاة في الدار المغصوبة [ ص: 122 ] صحيحة ، مع أنها تلزم مصلحة ومفسدة تساويها ، أو تزيد عليها ، وذلك لأن الحرام إن غلب على الحلال مطلقا ، كما هو مذهب بعض ، تزيد المفسدة على المصلحة ، وإن غلب على غير الواجب كانتا متساويتين .
أجاب بأن مفسدة الغصب ليست ناشئة عن الصلاة وبالعكس ، أي : مصلحة الصلاة ليست ناشئة عن الغصب ; لأن الصلاة لا تكون إلا لمصلحة خالصة .
ولو فرضنا أن المصلحة والمفسدة نشأتا من الصلاة ، لم تصح الصلاة ، بل تكون فاسدة .
وإذا ثبت أنه لا بد للوصف المناسب من ترجيح ، فعلى المستدل أن يرجح الوصف .
والترجيح يختلف باختلاف المسائل ، فإن الترجيح في بعض المسائل قد يكون في غاية الظهور ، وقد يكون بحيث يحتاج إلى أدنى تأمل ، وقد يحتاج إلى نظر واستدلال .
وللمستدل ترجيح إجمالي يطرد في جميع المسائل ، وهو أنه لو لم تكن المصلحة راجحة على ما عارضها من المفسدة ، لزم أن يكون الحكم بمجرد التعبد ; لأنا بحثنا ولم نجد مصلحة أخرى تصلح للعلية ، والأصل عدم الغير ، وثبوت الحكم بمجرد التعبد خلاف الأصل .