وثالثها المختار عند المصنف : أنه لا يفيد بمجرد الدوران قطع العلية ولا ظنها ، ما لم ينضم إليه أحد المسالك الدالة على العلية ، كالسبر والتقسيم ، وغير ذلك .
واحتج بأن الوصف المتصف بالطرد والعكس إذا خلا عن السبر والتقسيم أو عن أن الأصل عدم غيره ، أو غير ذلك من مسالك العلة ، جاز أن لا يكون علة ، بل ملازما للعلة ، كرائحة المسكر فإنها وصف متصف بالطرد والعكس ، فإنه يلزم من وجودها وجود الحرمة ، ومن عدمها الحرمة ، ومع هذا لا تكون علة الحرمة ، بل تكون ملازمة للسكر الذي هو العلة .
وإذا كان كذلك ، فلا يحصل بمجرده قطع العلية ولا ظنها .
واستدل nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي على أن الطرد والعكس بمجردهما لا يفيدان العلية ، بأن الاطراد : سلامة الوصف من النقض ; لأن الاطراد عبارة عن تحقق الحكم عند تحقق الوصف ، فيقضي أن [ ص: 137 ] لا يوجد الوصف بدون الحكم ، فيتحقق سلامته عن النقض; لأن النقض تحقق الوصف بدون الحكم .
والنقض مفسد من مفسدات العلية ، وسلامة الوصف عن مفسد واحد لا يوجب انتفاء كل مفسد ، فلا يفيد الاطراد العلية .
ولو سلم أن السلامة عن مفسد واحد ، يوجب انتفاء كل مفسد ، فلا يصح عليته إلا بمصحح ; لأن صحة الشيء إنما يتحقق بوجود مصححه .
والعكس ليس شرطا في العلة ، فلا يؤثر الوصف المتصف بالطرد والعكس في العلية ; لأن الاطراد لا يفيد العلية ، والعكس غير معتبر .
أجاب بأنه لا يلزم من عدم إفادة كل واحد من الطرد والعكس العلية على سبيل الانفراد ، أن لا يكون مجموعهما مفيدا للعلية ، فإن للهيئة الاجتماعية تأثيرا في العلية ، فجاز أن لا يكون كل واحد منهما مؤثرا في العلية حالة الانفراد ، ويكون عند الاجتماع مؤثرا .
وذلك كأجزاء العلة ، فإن كل واحد منها حالة الانفراد غير مؤثر ، وعند الاجتماع يكون مؤثرا .
[ ص: 138 ] واستدل أيضا بأن الدوران لا يفيد العلية ; لأنه وجد في المتضايفين ، كالأبوة والبنوة . فإنه كلما تحقق أحدهما ، تحقق الآخر ، وكلما انتفى أحدهما ، انتفى الآخر ، ولا يكون أحدهما علة للآخر .
أجاب بأن الدوران إنما يفيد العلية بشرط أن لا يكون مانع ينفي العلية .
وفي المتضايفين انتفت العلية لسبب مانع ، وهو كون كل منهما مع الآخر .