ورد بالعمل بالظواهر ، وبأن المراد : التناقض ، أو ما يخل بالبلاغة ، وأما الأحكام فمقطوع بالاختلاف فيها .
قالوا : إن كان كل مجتهد مصيبا ، فيكون الشيء ونقيضه حقا وهو محال ، وإن كان المصيب واحدا ، فتصويب أحد الظنين مع الاستواء محال ، ورد بالظواهر ، وبأن النقيضين شرطهما الاتحاد ، [ ص: 147 ] وبأن تصويب أحد الظنين لا بعينه جائز .
قالوا : إن كان القياس كالنفي الأصلي ، فمستغنى عنه ، وإن كان مخالفا ، فالظن لا يعارض اليقين .
ورد بالظواهر ، وبجواز مخالفة النفي الأصلي بالظن .
قالوا : حكم الله يستلزم خبره عنه ، ويستحيل بغير التوقيف .
قلنا : القياس نوع من التوقيف .
قالوا : يتناقض عند تعارض علتين .
ورد بالظواهر ، وبأنه إن كان واحدا ، رجح ، فإن تعذر وقف على قول .
وتخير عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، رحمهما الله .
فإنه يدل على أن ما كان من عند الله ، لا اختلاف فيه ، والقياس فيه اختلاف ، فلا يكون من عند الله ، فلا يجوز التعبد به .
أجاب بأن هذا الدليل منقوض بالعمل بالظاهر ; فإن فيه اختلافا مع أنه لا يكون مردودا .
وبأن المراد بالاختلاف التناقض ، أو الاختلاف الذي يخل بالبلاغة ، فيكون معنى الآية أن القرآن لو كان من عند غير الله ، لوجدوا فيه تناقضا كثيرا ، أو وجدوا فيه اختلافا يخل بالبلاغة .
وإنما وجب حمله على هذا ; لأن الاختلاف في الأحكام حاصل قطعا .
الثاني : أنه إذا اختلف أقيسة المجتهدين ، فلا يخلو إما أن يكون كل مجتهد مصيبا ، أو لا .
فإن كان الأول ، يلزم أن يكون الشيء ونقيضه حقا ، وهو محال .
[ ص: 149 ] وإن لم يكن كل مجتهد مصيبا ، فتصويب أحد الظنين ، دون الآخر مع استواء الظنين ، محال; لامتناع الترجيح بلا مرجح .
أجاب بالنقض ، فإن هذا الدليل بعينه جار في العمل بالظاهر ، مع جواز التعبد به .
وبأنا لا نسلم لزوم كون الشيء ونقيضه حقا عند تصويب كل مجتهد ، وذلك لأن ما أفضى إليه اجتهاد كل مجتهد من الحكم ، لا يكون نقيضا لما أفضى إليه اجتهاد الآخر ; لأن شرط التناقض الاتحاد فيما عدا السلب والإيجاب .
ويجوز أن يكون عند الاختلاف حكم الله - تعالى - في حق أحد المجتهدين : الحرمة ، وفي حق الآخر الإباحة ، أو الحرمة في زمان ، والإباحة في آخر .
وإذا كان اجتهاد مجتهد واحد مختلفا ، فيكون الحرمة بالنسبة إلى شخص ، أو في زمان ، وعدم الحرمة بالنسبة إلى شخص آخر أو زمان آخر ، فلا يتحقق الاتحاد ، فلا يلزم التناقض ، وبأنا لا نسلم لزوم الترجيح من غير مرجح عند تصويب أحد المجتهدين ، وذلك لأنا نحكم بتصويب أحد المجتهدين لا بعينه ، وتصويب أحدهما لا بعينه لا يستلزم الترجيح بدون مرجح .
الثالث : أن مقتضى القياس لا يخلو إما أن يكون موافقا للنفي الأصلي ، أي البراءة الأصلية ، أو مخالفا له .
[ ص: 150 ] فإن كان الأول ، يكون القياس مستغنى عنه ; لأن مقتضاه ثابت بالبراءة الأصلية ، وإن كان الثاني ، يكون القياس باطلا ; لأن النفي الأصلي متيقن ، والقياس مظنون ، والظن لا يعارض اليقين .
أجاب بالنقض بالعمل بالظاهر ، وبأنه يجوز ترك النفي الأصلي لأجل العمل بالظن .
الرابع : أن حكم الله - تعالى - يستلزم أن يخبر الله - تعالى - عنه ; لأن الحكم مفسر بخطاب الله - تعالى ، ويستحيل خبره عنه بغير التوقيف ، والحكم الثابت بالقياس لا يكون بالتوقيف ، فلا يكون حكم الله .
أجاب بأن القياس نوع من التوقيف ; لأنه ثابت بالقرآن أو الإجماع .
الخامس : أنه لو جاز العمل بالقياس ، لزم التناقض عند تعارض العلتين ; لأنه إذا تعارض العلتان في نظر المجتهد فإما أن يعمل بأحدهما دون الآخر ، فيلزم الترجيح من غير مرجح ، وإن عمل بهما ، يلزم التناقض .
أجاب بالنقض بالعمل بالظاهر ، وبأنه إن كان المجتهد واحدا عند تعارض العلتين ، ترجح إحداهما على الأخرى ، فيعمل بالراجح ، [ ص: 151 ] وإن تعذر الرجحان ، توقف على قول ، ويخير في العمل بأيهما شاء عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد .
وإن تعدد المجتهدون فكل يعمل بما هو علة عنده ، ولا يلزم التناقض ، لما مر في الجواب عن الوجه الثاني .