ثم القائلون بوقوع التعبد بدليل السمع اختلفوا ; فذهب الأكثر منهم إلى وقوع التعبد به بدليل السمع الذي هو قطعي ، وخالفهم أبو الحسين البصري .
واحتج المصنف على وقوع التعبد به بدليل سمعي قطعي بوجهين :
الأول : أنه ثبت بالتواتر عن جمع كثير من الصحابة العمل بالقياس عند عدم النص ، وإن كانت تفاصيل ما نقل إلينا من العمل بالقياس آحادا ، فإنه لا يمنع تواتر القدر المشترك بين التفاصيل ، وهو العمل به في الجملة .
والعادة تقضي بأن اجتماع جمع كثير من الصحابة على العمل بما هو أصل ، لا يكون إلا بقاطع دال على العمل به .
الثاني : أنه تكرر عمل أكثر الصحابة بالقياس عند عدم النص ، وشاع وذاع ، ولم ينكر عليه أحد .
والعادة تقضي بأن سكوت الباقين من الصحابة في مثل ذلك لا يكون إلا للموافقة ، فيكون الإجماع القطعي حاصلا على أن القياس يعتد به .
ومن ذلك : قول بعض الأنصار لأبي بكر ، لما ورث أم الأم ، ولم يورث أم الأب : لقد ورثت امرأة من ميت ، لو كانت هي الميتة ، لم يرثها ، وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ، ورث جميع ما تركت . فرجع أبو بكر عن القول الأول ، وشرك السدس بين أم الأم وأم الأب .
ومن ذلك : أن عمر ورث المبتوتة بالرأي .
[ ص: 156 ] ومن ذلك : قول علي لعمر - رضي الله عنهما - لما شك عمر في قتل الجماعة بالواحد : أرأيت لو اشترك نفر في سرقة ، أكنت تقطعهم ؟ قال عمر : نعم . فقال علي : فكذلك هاهنا .
ومن ذلك : إلحاق بعض الصحابة الجد بالأخ ، وبعضهم بالأب في إسقاط الأخوة .