سلمنا أن ذلك من غير نكير دليل ، ولا نسلم نفي الإنكار .
سلمنا ، لكنه لا يدل على الموافقة .
سلمنا ، لكنها أقيسة مخصوصة .
والجواب عن الأول أنها متواترة في المعنى ، كشجاعة علي رضي الله عنه .
[ ص: 158 ] وعن الثاني : القطع من سياقها بأن العمل بها .
وعن الثالث : شياعه وتكريره قاطع عادة بالموافقة .
وعن الرابع : أن العادة تقضي بنقل مثله .
وعن الخامس : ما سبق في الثالث .
وعن السادس : القطع بأن العمل لظهورها لا لخصوصها ، كالظواهر .
ش - لما ذكر الدليل على وقوع التعبد بالقياس ، ذكر أسئلة مع الجواب ، وتقرير الأسئلة أن يقال : التعبد بالقياس قطعي ; لأنه أصل من الأصول .
والوقائع التي ذكرتم أخبار آحاد ، وهي لا تفيد القطع .
سلمنا : أنها متواترة ، لكن لا نسلم أن الصحابة عملوا في تلك الوقائع بالأقيسة ، بل عملوا بظواهر النصوص .
سلمنا أن الصحابة عملوا في تلك الوقائع بالقياس ، لكنهم بعض الصحابة ، فلا يكون عملهم حجة .
سلمنا أن عمل الصحابة من غير نكير الباقين دليل ، لكن لا نسلم نفي الإنكار ، فإنه نقل عن الصحابة تارة إنكار الرأي ، [ ص: 159 ] وأخرى إنكار القياس ، وأخرى إنكار من أثبت الحكم لا بالكتاب والسنة .
وروي عن أبي بكر أنه قال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، إذا قلت في كتاب الله برأي .
وعن عمر : إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا .
وعن عمر أنه قال : وإياكم والمكايلة . قيل : وما المكايلة ؟ قال : المقايسة .
وعن شريح قال : كتب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلي ، وهو يومئذ من قبله قاض : اقض بما في كتاب الله ، فإن جاءك ما ليس فيه ، فاقض بما في سنة رسول الله ، فإن جاءك ما ليس فيها ، فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فإن لم تجد ، فلا عليك أن تقضي .
[ ص: 160 ] وعن علي : لو كان الدين بالقياس ، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره .
ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهما قالا : يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ، ويتخذ الناس رؤساء جهالا ، يقيسون الأمور برأيهم .
ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال : إذا قلتم في دينكم بالقياس ، أحللتم كثيرا مما حرم الله ، وحرمتم كثيرا مما أحل الله .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : إن الله - تعالى - قال لنبيه : ( احكم بينهم بما أنزل الله ) ، ولم يقل : بما رأيت .
قال : إياكم والمقاييس ، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ; السنة ما سنه الرسول ، عليه السلام ، [ ص: 161 ] لا تجعلوا الرأي سنة للمسلمين .
وعن مسروق : لا أقيس شيئا بشيء ، أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين يذم القياس ويقول : أول من قال إبليس .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام ، وحرمتم الحلال .
فثبت بهذه الروايات تصريح الصحابة والتابعين بإنكار القياس والرأي .
سلمنا أن بعض الصحابة عمل بالقياس ، ولم ينكر أحد ، لكن عدم إنكارهم لا يدل على الموافقة ، لجواز أن يكون عدم إنكارهم للخوف ، أو لغير ذلك من الاحتمالات .
سلمنا أن سكوتهم يدل على الموافقة ، لكنها أقيسة مخصوصة ، ولا يلزم منه الإجماع على العمل بكل قياس .
[ ص: 162 ] أجاب عن الأول بأن هذه الأخبار وإن كانت آحادا في التفاصيل ، إلا أنها متواترة في المعنى ; لأن القدر المشترك بينها - وهو العمل بالقياس - متواتر ، كشجاعة علي وسخاوة حاتم .
وعن الثاني أن سياق تلك الأخبار وقرائن الأحوال ، دل قطعا بأن عملهم بالقياس في تلك الوقائع لا بالنص ; لأن عملهم لو كان بالنص لأظهروه . ولو أظهروه لاشتهر ، ولو اشتهر لنقل إلينا . ولما لم يكن كذلك ، علمنا أنهم ما عملوا في تلك الوقائع بالنص .
وعن الثالث أن شياع العمل بالقياس وتكريره قاطع عادة بأن عدم إنكارهم بسبب الموافقة .
وعن الرابع أن العادة تقضي بأنه لو أنكر من بعضهم ، لنقل ، ولما لم ينقل ، دل على أنهم لم ينكروا .
أو الإنكار في الصور الذي ذكرتم إنما كان بالنسبة إلى من ليس له مرتبة الاجتهاد والاستنباط ، وفي قياس أخل شرط صحته ، جمعا بين النقلين ; لأن هؤلاء الذين رويتم عنهم المنع من القياس هم الذين دللنا على تجويزهم العمل بالقياس ، فلا بد من التوفيق .
وعن الخامس : ما سبق في الثالث .
وعن السادس : أن العمل بالأقيسة المخصوصة ليس لأجل خصوصها ، كالظواهر ، فإن العمل بها ليس لأجل خصوصها ، بل [ ص: 163 ] لأجل أنها من الأدلة الظاهرة .