الأول - أن قول القائل : حرمت الخمر لإسكارها ، مثل قوله : حرمت كل مسكر ، فكما أن الثاني يقتضي حرمة كل مسكر ، فكذا الأول ; لأنه مثله .
أجاب بأنا لا نسلم أن القول الأول مثل الثاني ; لأنه لو كان مثله ، أعتق غير غانم ممن حسن خلقه فيما تقدم ; لأنه حينئذ قوله : أعتقت غانما لحسن خلقه ، مثل قوله : أعتقت كل عبد لي حسن خلقه . والثاني يقتضي عتق كل عبد له حسن خلقه ، فكذا الأولى ; لأنه مثله .
[ ص: 169 ] ومنع بأنه إنما لم يعتق كل عبد له حسن خلقه ; لأنه غير مصرح بعتق كل عبد له حسن خلقه ، والحق حق الآدمي ، والشارع اعتبر في حق الآدمي صريح القول .
أجاب بأن العتق كما يحصل بالصريح ، يحصل بالظاهر ، وإذا كان التنصيص بالعلة مثل إضافة الحكم إلى العلة ، يكون قوله : أعتقت غانما لحسن خلقه ظاهرا في عتق كل عبد له حسن خلقه .
والثاني : لو قال الأب لولده : لا تأكل هذا الطعام ; لأنه مسموم ، فهم عرفا المنع من كل مسموم ، فلو لم يكن قوله : لا تأكل هذا ; لأنه مسموم ، مثل قوله : لا تأكل كل مسموم ، لما فهم عرفا ذلك .
أجاب بأنا لا نسلم فهم ذلك عرفا من اللفظ ، بل فهم ذلك بقرينة خارجية ، وهي شفقة الأب ; فإن شفقة الأب يقتضي منع الولد من كل سم ، بخلاف الأحكام ، فإنه قد يخص لأمر لا يدرك .
الثالث : لو لم يكن التنصيص على العلة لتعميم الحكم في جميع صور وجود العلة ، لعري التنصيص عن الفائدة لحصول الحكم في المنصوص بمجرد النص بدون التنصيص على علته .
[ ص: 170 ] أجاب بأن فائدة التنصيص على العلة تعقل المعنى الذي لأجله الحكم فيه ، أي في المحل ; لأنه أسرع إلى الانقياد ، وتعميم الحكم لا يكون إلا بدليل آخر .
الرابع : لو قال الشارع : الإسكار علة التحريم ، لعم التحريم كل مسكر ، فكذلك قوله : حرمت الخمر لإسكارها ، يعم التحريم فيه كل مسكر ; لأنه مثله .
أجاب بأن قوله : الإسكار علة التحريم حكم بالعلة على كل إسكار ، فالخمر والنبيذ تساويا فيه ، بخلاف قوله : حرمت الخمر لإسكارها ; فإنه حكم بالعلة على إسكار الخمر . فلا يكون الخمر والنبيذ فيه سواء .