ص - الخامس عشر : المعارضة في الأصل بمعنى آخر ; إما مستقلا ، كمعارضة الطعم بالكيل ، أو القوت ، أو غير مستقل ، كمعارضة القتل العمد العدوان بالجارح .
والمختار : قبولها .
لنا : لو لم تكن مقبولة ، لم يمتنع التحكم ; لأن المدعي علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال من وصف المعارضة . فإن رجح بالتوسعة ، منع الدلالة . ولو سلم ، عورض بأن الأصل انتفاء الأحكام ، وباعتبارهما معا .
وأيضا : فلما ثبت أن مباحث الصحابة كانت جمعا وفرقا ، قالوا : استقلالهما بالمناسبة يستلزم التعدد .
[ ص: 213 ] قلنا : تحكم باطل ، كما لو أعطى قريبا عالما .
وإما غير مستقل بالتعليل ، مثل : ما إذا علل المستدل الحكم بمعنى وأثبته بطريق ، وأبدى المعارض معنى آخر في الأصل ، وأثبت كونه جزءا من العلة في الأصل ، كمعارضة من علل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان بالجارح في الأصل على وجه يكون وصف الجارح جزءا من العلة في الأصل .
واختلف في قبول القسم الثاني ، واختار المصنف قبوله . واحتج عليه بوجهين :
الأول : لو لم تكن المعارضة بالقسم الثاني مقبولة ، لزم أن لا يمتنع التحكم ، والتالي باطل .
[ ص: 214 ] بيان الملازمة أن دليل المستدل دل على علية الوصف المدعى علة بالاستقلال ، ودليل المعترض على عليته بالجزئية ، فلو لم تقبل المعارضة ، لزم التحكم ; لأن الوصف المدعى علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال ، فكما جاز أن يكون علة مستقلة ، جاز أن يكون جزء علة ، فالقول بكونه علة مستقلة تحكم .
فعلى هذا قول المصنف : " من وصف المعارضة " بعد قوله : " لأن المدعى علة ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " زائد لا فائدة فيه . وقرر بعض الشارحين بيان الملازمة بوجه آخر ، وهو أن الدليل دال على علية كل واحد من الوصفين ، أعني وصف المستدل ووصف المعارضة ، سواء كل واحد مستقلا ، كالطعم أو القوت ، أو غير مستقل ، كالقتل العمد العدوان إذا جعله الشافعي علة ، وزاد عليه الحنفي بالجارح ، حتى يكون المجموع علة . فإنه إذا لم يقبل ، وجعل أحد الوصفين علة ، لزم ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح .
ثم قال : وعبارة المصنف ، أعني الدليل وبيان الملازمة ، وافق عقد المسألة في العموم لا التمسك ، فإن قوله : " ليس [ ص: 215 ] بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " يشمل ما إذا كان الوصف المدعى علة مركبا والمعترض أخذ جزءا منه ، وادعى الاستقلال ، وما إذا كان المدعى علة وصفا وضم إليه المعترض وصفا آخر على ما ترى إذا نظرت فيه .
وعلى هذا لا يكون قوله : " من وصف المعارضة " زائدا .
وفيما ذكره هذا الشارح نظر ; لأن قول المصنف : " ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال " لو كان شاملا لما إذا كان الوصف المدعى علة مركبا ، والمعترض أخذ جزءا منه وادعى الاستقلال ، لزم أن لا تقبل المعارضة ; لأنه حينئذ لا يكون إثبات علية جزء المدعى علة مفيدا للمعترض ; لأنه لو ثبت علية جزء المدعي علة ، يلزم الحكم في الفرع ضرورة وجود الجزء الذي هو العلة المستقلة على زعم المعترض فيه ، فلا تكون المعارضة مفيدة .
هذا ما ظهر لي ، فإن رجح المستدل استقلال وصفه على جزئيته بالتوسعة في الأحكام ، فإنه إذا كان مستقلا ، ووجد الفرع ، كالقتل العمد العدوان في القتل بالمثقل ، ثبت الحكم في الفرع ، فيتوسع الحكم في الأصل والفرع ، فيكون أكثر فائدة ، فيكون أرجح .
بخلاف ما إذا كان جزء علة ، فإنه لم يلزم من وجوده في [ ص: 216 ] الفرع ثبوت الحكم فيه ، كالقتل العمد العدوان ، إذا كان جزء علة ، والعلة مجموع القتل العمد العدوان مع قيد كونه بالجارح ، فإنه حينئذ لم يلزم من وجود القتل العمد العدوان في القتل بالمثقل وجوب القصاص فيه ، فللمعترض أن يمنع دلالة الاستقلال على التوسعة ، ولو سلم دلالة الاستقلال على التوسعة ، عورض برجحان الجزئية بوجهين :
الأول : أن الجزئية توجب انتفاء الحكم في الفرع ، وانتفاء الأحكام موافق للأصل ، وما يوافق الأصل أرجح .
الثاني : أن الجزئية توجب اعتبار وصف المستدل ، واعتبار وصف المعارض ، واعتبار الوصفين أولى من إهمال أحدهما .
أما الأول فبالنقل عنهم ، وأما الثاني ; فلأن الفرق إنما يتحقق بكون ما جعل المستدل علة جزء علة .
[ ص: 217 ] المانعون من قبول هذه المعارضة قالوا : لو قيل : هذه المعارضة ، يلزم استقلال كل واحد من وصفي المستدل والمعارض بالعلية ، واستقلالهما بالعلية يستلزم تعدد العلة المستقلة ، وهو باطل .
أجاب بأنه لو لم يقبل ، لزم إسناد الحكم إلى أحد الوصفين ، وإسناد الحكم إلى أحد الوصفين دون الآخر مع الدلالة على علية كل منهما تحكم باطل ، كما لو أعطى قريبا عالما . فإن إسناد الإعطاء إلى القرب أو العلم تحكم ، فيجب أن يسند الحكم إلى مجموعهما .
فالقبول لا يوجب الاستقلال لجواز الإسناد إلى المجموع حينئذ .