أما وجه التمسك بالآية فإنه عاتب الرسول - عليه السلام - في الآية على الإذن . فلو كان الإذن بالوحي ، لما عاتبه ، وإذا لم يكن بالوحي ، تعين أن يكون عن اجتهاد ; لأن الرسول - عليه السلام - لا يحكم عن تشهي النفس ; لقوله - تعالى : وما ينطق عن الهوى فلو لم يكن متعبدا بالاجتهاد ، لم يجز ارتكابه .
وأما التمسك بالحديث ; فلأن سوق الهدي الصادر من [ ص: 295 ] الرسول - عليه السلام - لا يجوز أن يكون بالوحي ; لأنه لا يجوز للرسول - عليه السلام - أن يبدل الوحي من تلقاء نفسه . وإذا لم يكن بالوحي ، تعين أن يكون بالاجتهاد . كما تقرر في الآية .
ووجه الاستدلال بها - كما قرره أبو علي الفارسي - أن الإراءة إما من الرأي الذي هو الاجتهاد ، أو من الرؤية بمعنى الإبصار ، أو بمعنى العلم .
لا جائز أن يكون من الرؤية بمعنى الإبصار ; لأن المراد بـ " ما " في قوله - تعالى : " بما أراك الله " هو الأحكام ، وهي لا تكون مبصرة .
ولا جائز أن يكون من الرؤية بمعنى العلم ، وإلا لوجب ذكر المفعول الثالث ; لوجود ذكر المفعول الثاني ، وهو الضمير الراجع إلى الموصول ، وهو في حكم الملفوظ ، فتعين أن يكون بمعنى الرأي .
والجواب أن " ما " مصدرية لا موصولة ، وقد حذف المفعولان وهو جائز .
[ ص: 296 ] وأيضا على تقدير أن يكون " ما " موصولة ، جاز حذف المفعول الثالث عند حذف الثاني .
واستدل أيضا بأن العمل بالاجتهاد أكثر ثوابا ; لأنه أشق من العمل بالنص ، وما هو أشق أكثر ثوابا ; لقوله - عليه السلام : " أفضل العبادات أحمزها " أي أشقها ، وما هو أكثر ثوابا كان أولى .
أجاب بأن درجة الوحي أعلى من الاجتهاد ; لأنه لم يتطرق إليه الخطأ ، فيسقط الاجتهاد ; لأن ما هو أعلى درجة أولى .