فقال القاضي والجبائي : كل مجتهد في تلك المسألة مصيب ، [ ص: 310 ] ولم يكن قبل الاجتهاد حكم فيها ، وحكم الله فيها تابع لظن المجتهد ، أي يكون حكم الله في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده .
وقيل : المصيب فيها واحد ; لأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلا معينا .
ثم اختلفوا فيما بينهم :
فمنهم من قال : لا دليل عليه ، بل هو كدفين يصاب بطريق الاتفاق ، فمن ظفر به فهو المصيب ، ومن لم يصبه فهو المخطئ ، ومنهم من قال : عليه دليل .
ثم اختلفوا فيما بينهم ، فقال الأستاذ : إن دليله ظني ، فمن ظفر به فهو المصيب ، وله أجران ، ومن لم يصبه ، فهو مخطئ ، وله أجر واحد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15211المريسي والأصم : دليله قطعي ، والمخطئ آثم .
ونقل عن الأئمة الأربعة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد التخطئة والتصويب .
[ ص: 311 ] فإن كان في المسألة دليل قاطع ، فقصر المجتهد في طلبه ، ولم يظفر به ، فمخطئ آثم ، وإن لم يقصر فالمختار مخطئ غير آثم .
واحتج المصنف عليه بثلاثة وجوه :
الأول : لا دليل على تصويب الكل ، والأصل عدمه ، وما لا دليل عليه لا يجوز القول به .
وصوب واحد غير معين ; لأن الإجماع منعقد على أن أحدهما مصيب ، ضرورة استحالة تخطئة الكل .
وتصويب واحد معين ترجيح بلا مرجح ، فتعين أن يكون المصيب واحدا غير معين .
الثاني : لو كان مصيبا لاجتمع النقيضان .
والتالي باطل . بيان الملازمة أن الكل لو كان مصيبا ، فالمجتهد إذا ظن أن حكم الله في حقه ما أدى إليه اجتهاده ، جزم وقطع بأن الحكم ذلك ، ضرورة علمه بأنه كل مجتهد مصيب .
وإذا قطع ، استمر قطعه ; إذ الأصل بقاء الشيء على ما كان ، واستمرار قطعه مشروط ببقاء ظنه للإجماع على أنه لو ظن غيره ، [ ص: 312 ] وجب الرجوع ، فيكون ظانا عالما بشيء واحد في زمان واحد ، فيلزم اجتماع النقيضين ضرورة اقتضاء القطع عدم احتمال النقيض ، والظن احتمال النقيض .