الأول : أنه يجوز كذب المقلد ; لأنه ليس بمعصوم . وحينئذ لا يكون آتيا بالواجب . فلو جاز التقليد في المعرفة ، لجاز ترك الواجب .
الثاني : لو كان التقليد يحصل المعرفة ، لكان يحصل المعرفة بحدوث العالم إذا قلد القائل به . ويحصل المعرفة بقدم العالم إذا قلد القائل به ، فيلزم حدوث العالم وقدمه ، وهو محال .
الثالث : أن التقليد لو حصل المعرفة ، لكان تحصيل التقليد المعرفة بالنظر .
والتالي باطل .
أما الملازمة ; فلأنه لو كان يحصل المعرفة بالضرورة ، لما اختلف فيه ، ولاشترك الجميع فيه ، وليس كذلك .
وأما انتفاء التالي ; فلأن النظر لا يحصل إلا على دليل ، والأصل عدمه .
قيل على الوجه الأول : إنه يلزم مثله إن لم يجوزه بالتقليد ، لاحتمال خطأ الناظر .
ويمكن أن يجاب عنه بأن خطأ الناظر إنما يحتمل إذا لم يراع القانون المميز بين النظر الصحيح والفاسد .
[ ص: 354 ] أما عند مراعاته ، فلا يحتمل .
وعلى الوجه الثاني : أن النظر أيضا قد يفضي مرة إلى القدم ومرة إلى الحدوث ، فلو كان المعرفة بالنظر ، يلزم اجتماع النقيضين . ويمكن أن يجاب عنه بمثل ما أجاب عن الأول .
وعلى الثالث : أنه كما احتاج التقليد في إفادة المعرفة إلى النظر ، احتاج النظر أيضا في الإفادة إلى النظر .
ويمكن أن يجاب بأن النظر ، وإن احتاج في كونه مفيدا للمعرفة إلى النظر ، لكن دل دليل على كونه مفيدا .
بخلاف التقليد ، فإنه لم يدل دليل على كونه مفيدا للمعرفة .
والحق أن حصول اليقين في الإلهيات بالنظر صعب جدا ، إلا أنه قد يحصل اليقين بالنظر ، ولا يحصل اليقين من التقليد أصلا ، فالنظر أولى من التقليد .