[ ص: 183 ] الحقيقة والمجاز ص - ( مسألة ) : الحقيقة : اللفظ المستعمل في وضع أول .
ش - المسألة الأولى في حدي الحقيقة والمجاز وأقسامهما وشرائطهما . وفي المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا ؟ وابتدأ بحد الحقيقة .
اعلم أن الحقيقة فعيلة من الحق ، إما بمعنى الفاعل ، كالعليم ، فلا يستوي فيها المذكر والمؤنث ، فيكون تاء التأنيث فيه جارية على القياس ، ويكون معناها : الثابتة .
وإما بمعنى المفعول ، كالجريح فيستوي فيها المذكر والمؤنث ، فيكون التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية ; لأنه لا حاجة إلى علامة التأنيث حينئذ ، ويكون معناها : المثبتة .
ثم نقلت إلى الاعتقاد المطابق للواقع ; لكونه مثبتا أو ثابتا في نفس الأمر . ثم نقلت من الاعتقاد إلى القول المطابق ; لكون مدلوله مثبتا أو ثابتا أيضا . ثم نقل من القول إلى ما ذكره المصنف ، وهي : اللفظ المستعمل في وضع أول .
[ ص: 184 ] فهي منقولة في المرتبة الثالثة . وقوله : " اللفظ " كالجنس ، يتناول الحقيقة وغيرها . وقوله : " المستعمل " يخرج عنه : اللفظ في ابتداء الوضع ; فإن اللفظ في ابتداء الوضع لا يكون حقيقة ولا مجازا .
وقوله : " في وضع " أي فيما وضع له . وفيه تساهل ، يتناول ما وضع له لغة ، وعرفا ، وشرعا ، والمفهوم المجازي لأنه يصدق على كل منها أنه موضوع له .
ويخرج عنه : الألفاظ المهملة .
وقوله : " أولا " يخرج المجاز ; فإنه لفظ مستعمل في غير ما وضع له أولا .
فإن قيل : هذا الحد غير جامع ; ضرورة خروج الحقيقة الشرعية والعرفية ; لأنها لم تستعمل فيما وضع له أولا ; ضرورة كونها منقولة ، والنقل يستلزم وضعا ثانيا .
أجيب بأن المراد بالوضع الأول ، ما يكون أولا بالنسبة إلى الاصطلاح الذي وقع به التخاطب ، لا ما يكون أولا باعتبار اللغة ; فإن الوضع الأول أعم من الوضع باعتبار اللغة .
فحينئذ تكون الألفاظ المنقولة الشرعية أو العرفية بالوضع الأول باصطلاح الشرع والعرف ، وإن كان بالوضع الثاني باعتبار اللغة .
مثلا : الصلاة إذا استعملت في ذات الأركان ، كان استعمالها فيها باصطلاح أهل الشرع استعمالا في وضع أول ، وباصطلاح أهل اللغة استعمالا في وضع ثان . [ ص: 185 ] وإذا استعملت في الدعاء فبالعكس . وما قيل : إن في الحد نظرا ; لأن الأول من الأمور الإضافية التي لا يعقل إلا بالنسبة إلى شيئين ، وحينئذ يكون حد الحقيقة مستلزما للمجاز ، ليس بشيء . لأن الأول على تقدير أن يكون إضافيا لا يستلزم إلا الوضع الثاني ، وهو جزء من مفهوم المجاز إن اعتبر الوضع الثاني في المجاز ، ولا امتناع في ذلك ; لجواز أن يعتبر في حد الشيء جزء مقابله .