لنا أن الواجب على الكفاية [ لو ] لم يكن على جميع المكلفين لما أثم الجميع بتركه . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .
بيان الملازمة أنه يمتنع مؤاخذة الإنسان بترك ما لا يجب عليه .
واستدل الخصم بثلاثة وجوه : أحدها على إبطال المذهب المختار ، والآخرون على إثبات مذهبه . الأول : أن الواجب على الكفاية سقط عن المكلفين بفعل البعض ، فلو كان واجبا على الجميع لما كان كذلك ; لأن الواجب على المكلف يستبعد أن يسقط عنه بفعل غيره .
أجاب المصنف عنه بأن ما ذكرتم مجرد استبعاد ، وهو لا يقتضي الامتناع ، فيجوز أن يسقط الوجوب عن المكلف بفعل غيره .
[ ص: 344 ] [ الوجه ] الثاني : أنه كما يجوز أمر المكلف بواحد مبهم ، كخصال الكفارة ، فكذا يجوز أمر واحد مبهم ، قياسا عليه . والجامع تعدد متعلق الوجوب مع سقوط الوجوب بفعل البعض .
أجاب المصنف عنه بالفرق . وتوجيهه أن يقال : الإثم بترك واحد مبهم من أمور متعددة ، ممكن معقول . فلهذا جاز أن يكون متعلقا للوجوب . بخلاف إثم واحد مبهم فإنه لا يعقل ، فلا يكون متعلقا للوجوب .
الوجه الثالث : قوله تعالى : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين يدل على أن الواجب على الكفاية على بعض غير معين . وذلك لأن طلب الفقه من فروض الكفايات . والآية أوجبت على كل فرقة أن ينفر منهم طائفة ، وتلك غير معينة ، فيكون المأمور بعضا غير معين .
أجاب المصنف عنه بأن الطائفة كما يحتمل أن يكونوا هم الذين أوجب الله عليهم طلب الفقه ، احتمل أن يكونوا هم الذين يسقطون الوجوب بالمباشرة عن الجميع . والاحتمال الثاني وإن كان مرجوحا ، يحمل عليه جمعا بين الدليلين .
فإنا لو حملنا الطائفة على الذين أوجب الله عليهم ، يلزم بطلان دليلنا ، وهو الإجماع على تأثيم الجميع بتركه .
[ ص: 345 ] ولو حملناه على المسقطين ، لم يلزم بطلان دليلنا ، ولا العمل بالآية . فتعين المصير إليه ; لأن الجمع بين الدليلين واجب بقدر الإمكان .