وأيضا : لو لم تصح - لكان لاتحاد المتعلقين ; إذ لا مانع سواه اتفاقا ، ولا اتحاد ; لأن الأمر للصلاة والنهي للغصب .
واختيار المكلف [ جمعهما ] لا يخرجهما عن حقيقتهما .
[ ص: 380 ] ش - لما فرغ عن تقرير الأقوال ، شرع في إقامة الدليل على مدعاه ، وبينه بوجهين : أحدهما : القطع بجواز ذلك عقلا . كما إذا قال السيد لعبده : خط هذا الثوب ولا تدخل هذه الدار . فإنه إذا خاط الثوب في الدار المنهي عنها ، نقطع بطاعته من جهة أنه خاط ، وبمعصيته من جهة أنه خاط في الدار . فيكون فعل الخياطة مأمورا به منهيا عنه من جهتين .
فكذلك يجوز فيما نحن فيه من غير فرق ; فإن الصلاة مأمور بها من حيث هي صلاة ، منهي عنها من حيث كونها في الدار المغصوبة .
الثاني أنه لو لم يصح كون الصلاة في الدار المغصوبة مأمورا بها منهيا عنها ، كان عدم الصحة لاتحاد متعلقي الأمر والنهي; إذ لا مانع سواه بالإجماع .
والتالي باطل; إذ لا اتحاد بين متعلقيهما ; لأن متعلق الأمر هو الصلاة ، ومتعلق النهي كونها في الدار المغصوبة . وأحدهما غير الآخر . واختيار المكلف الجمع بين الصلاة وبين كونها في الدار المغصوبة لا يخرجهما عن حقيقتهما ، حتى يتحد الجهتان .
وقد قيل على الوجه الأول : لا نسلم أن الصلاة مأمور بها ، فإنه بعد الجمع بينها وبين كونها في الدار المغصوبة ، صارت هيئة الصلاة منهيا عنها ، ولا يمكن حصولها بدونها ، فتكون الصلاة منهيا عنها ، فلم يأت بالمأمور بها .
وأيضا : الخياطة ، إن أمر بها كيف كانت فلا يكون شغل الحيز ممنوعا عنه ، فلا يكون نظيرا لمتنازع فيه .
[ ص: 381 ] وإن أمر بها في الجملة ومنع العبد عن شغل المكان المخصوص واشتغل بالخياطة فيها فهذه الخياطة ممنوع عنها ، ولكن يعد العبد ممتثلا; لأنها فعل حقيقي لا يبطل بالمنع ، بخلاف الصلاة .
وعلى الثاني أن للمانع أن يقول : لا كلام في التغاير ، بل الكلام في أن الجمع أوجب للصلاة هيئة منهيا عنها منعت أن تكون الصلاة مأمورا بها . وما ذكرت لا يدفعه .
وقيل على الثاني أيضا أن الصلاة في الدار المغصوبة أحد أجزائها : الكون الذي هو الحركة والسكون . وهذا الكون منهي عنه ; لأنه كون في الدار المغصوبة ، وهو منهي عنه . وإذا كان الجزء منهيا عنه ، يكون الكل منهيا عنه بالضرورة .
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الصلاة في الدار المغصوبة ليست مأمورا بها من حيث إنها صلاة مقيدة بكونها في الدار المغصوبة بل من حيث هي صلاة مطلقا . والهيئة الحاصلة لها بعد الجمع وإن كانت منهيا عنها ، لا يكون نهيها موجبا لنهي الصلاة المطلقة ; ضرورة كونها غير لازمة [ لها ] ; لأن الصلاة المطلقة قد تتحقق بدون تلك الهيئة . وإذا كانت الصلاة المطلقة غير منهي ، وقد أتى بها ; لأنه قد أتى بالصلاة المقيدة ، والمقيد يستلزم المطلق ، فيكون قد أتى بالمأمور بها .
وعن الثاني أن السيد إذا أمر العبد بالخياطة في الجملة ونهاه عن شغله المكان المخصوص وقال : إن ارتكبت النهي ضربتك ، وإن امتثلت [ ص: 382 ] الأمر أعتقتك ، فخاط الثوب في الدار ، فيحسن من السيد أن يضربه ويعتقه ، ويقول : أطاع بالخياطة وعصى بدخول الدار . فالخياطة من حيث هي خياطة غير ممنوع عنها قطعا .
وأما الفرق بأنه إنما يعد العبد ممتثلا لأنها فعل حقيقي لا يبطل بالمنع منها ، بخلاف الصلاة ، فضعيف ; لأن المنع ليس عن الصلاة ، حتى يلزم أن لا يعد ممتثلا ، بل المنع عن كونها في الدار المغصوبة .
وورود المنع من هذه الجهة لا يخلو من أن يكون موجبا لعدم وقوع الفعل على وجه الامتثال أو لا يكون موجبا . وأيا ما كان ، لا فرق بين خياطة العبد والصلاة في الدار المغصوبة في كونهما واقعين على وجه الامتثال أو غير واقعين . وبما ذكرنا أولا يعرف جواب ما قيل على الوجه الثاني .