ص - [ قال ] : كل مباح ترك حرام ، وترك الحرام واجب وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب .
[ وتأول ] الإجماع على ذات الفعل ، لا بالنظر إلى ما يستلزم ، جمعا بين الأدلة . [ ص: 400 ]
ش - قال الكعبي : المباح مأمور به ; لأن المباح واجب ، وكل واجب فهو مأمور به .
أما الكبرى فبالاتفاق . وأما الصغرى فلأن كل مباح يحصل به ترك حرام ; إذ ما من فعل مباح إلا ويتحقق بمباشرته ترك حرام ما . وترك الحرام واجب . ولا يتم ترك الحرام إلا بما يحصل به الترك ، فيكون المباح الذي يتم به ترك الحرام واجبا ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب .
ولو حمل قول الكعبي : " المباح ترك حرام " على ظاهره ، لم يصح أصلا ; لأن ترك الحرام يحصل بالمباح لا نفسه .
وأيضا لو حمل على ظاهره ، لم يكن لقوله : " وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " وجه .
" وتأول الإجماع " إشارة إلى جواب سؤال وارد على الكعبي . توجيه السؤال أن الدليل الذي ذكره الكعبي على أن كل مباح واجب ، يقتضي كون أفعال المكلفين ، التي تعلق بها الأحكام ، أربعة ; ضرورة كون المباح واجبا حينئذ . وهو خلاف الإجماع ; لأن الجمهور أجمعوا على أن الأفعال تنقسم إلى خمسة : واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه ، ومحرم . فيكون الدليل المذكور باطلا .
وتقرير الجواب أن الإجماع يحمل على أن الأفعال - نظرا إلى ذاتها ، مع قطع النظر عما يستلزمه من كونه يحصل به ترك الحرام - تنقسم إلى خمسة ، فيكون الفعل المباح - نظرا إلى ذاته - لم يخرج عن [ ص: 401 ] كونه مباحا . وبالنظر إلى ما يستلزمه من كونه يحصل به و ترك الحرام ، يكون واجبا .
وإنما أول الإجماع على هذا ليكون جمعا بين الدليلين بقدر الإمكان ، فإن الإجماع لو حمل على كون الفعل منقسما إلى الخمسة بالنظر إلى ما يستلزمه ، يلزم بطلان دليل الكعبي . ولو حمل على ما ذكرنا ، لا يكون واحدا من الدليلين ، أعني الإجماع على أن الأفعال خمسة ، ودليل الكعبي ضائعا .