فقال قوم : خطاب الله تعالى كما يرد [ بالاقتضاء ] والتخيير ، فقد يرد لجعل الشيء سببا وشرطا ومانعا . فلله تعالى في الزاني حكمان : أحدهما وجوب الحد عليه . والثاني جعل الزنا سببا لوجوب الحد .
واختار المصنف هذا المذهب . فلهذا التزم وجوب ذكر الوضع في تعريف الحكم لاستقامته . وليس المراد من الحكم الوضعي كون الزنا مثلا سببا لوجوب الحد ، بل المراد حكم الشرع بكونه سببا ، أي معرفا لوجوب الحد . فتكون الأقسام الثلاثة المذكورة حكما وضعيا .
وأما الصحة والبطلان ، فقيل : إنهما من باب الوضع ; لأنهما من الأحكام وليست داخلة في الاقتضاء والتخيير ; لأن الحكم بصحة العبادة وبطلانها ، وكذا بصحة المعاملات وبطلانها لا يفهم منه اقتضاء ولا تخيير .
وقال آخرون : الصحة معناها : الإباحة . والبطلان معناه : الحرمة .
[ ص: 409 ] وذهب المصنف إلى أن الصحة والبطلان ، أو الحكم بالصحة والبطلان أمر عقلي ، غير مستفاد من الشرع ، فلا يكون داخلا في الحكم الشرعي .
وإنما قلنا : إنها أمر عقلي ; لأن الصحة في العبادة إما كون الفعل مسقطا للقضاء ، كما هو مذهب الفقهاء ، أو موافقته لأمر الشريعة ، كما هو مذهب المتكلمين . فصلاة من ظن أنه متطهر ، ثم تبين خطؤه غير صحيحة على الأول ; لعدم [ سقوط ] القضاء ، وصحيحة على الثاني ; لكونها متوافقة لأمر الشرع . ولا شك أن العبادة إذا اشتملت على أركانها وشرائطها حكم العقل بصحتها بكل من التفسيرين ، سواء حكم الشارع بها أو لا .
وأما الصحة في المعاملات فلم يتعرض المصنف لها . ويمكن أن يقال : [ إنها أيضا ] أمر عقلي ; لأن الصحة في المعاملات : كون الشيء بحيث يترتب عليه أثره . وإذا كان الشيء مشتملا على الأسباب والشرائط وارتفاع الموانع ، حكم العقل بترتب أثره عليه ، سواء حكم الشرع بها أو لم يحكم .
والبطلان والفساد عندنا نقيض الصحة . فهما مترادفان .