ص - ( مسألة ) : لا تكليف إلا بفعل . فالمكلف به في النهي : كف النفس عن الفعل .
وعن أبي هاشم وكثير : نفي الفعل . لنا : لو كان - لكان مستدعى حصوله منه ، ولا يتصور ; لأنه غير مقدور [ له ] .
وأجيب بمنع أنه غير مقدور [ له ] ، كأحد قولي القاضي . ورد بأنه كان معدوما واستمر . والقدرة تقتضي أثرا عقلا . وفيه نظر .
[ ص: 430 ]
ش - المسألة الثانية في أن المكلف به هل يشترط أن يكون فعلا أم لا ؟ فمذهب أكثر الأصوليين أنه لا تكليف إلا بفعل . والمصنف أقام الدليل على هذا . ومذهب الباقين أنه يجوز التكليف بغير فعل .
فعلى المذهب الأول ، المكلف به في النهي كف النفس عن الفعل ، لا نفي الفعل ; لأن كف النفس فعل ونفي الفعل ليس بفعل .
والدليل على أن نفي الفعل لا يكون مكلفا به أنه لو كان نفي الفعل مكلفا به لكان نفي الفعل مستدعى حصوله من المكلف . والتالي باطل فالمقدم مثله .
أما الملازمة فلأن التكليف طلب ، والطلب استدعاء الحصول ، فيكون المكلف به مطلوبا ، والمطلوب مستدعى حصوله .
وأما انتفاء التالي فلأن استدعاء الحصول فرع تصور وقوعه من المكلف ، ولا يتصور وقوع نفي الفعل ; لأنه غير مقدور عليه; لأنه نفي محض ، والنفي المحض لا يكون مقدورا عليه . وإذا لم يكن مقدورا عليه لم يتصور وقوعه .
أجيب عنه بأنا لا نسلم أن نفي الفعل غير مقدور عليه ، كما [ ص: 431 ] ذهب إليه القاضي أبو بكر في أحد قوليه . وهو أن نفي الفعل مقدور العبد ومكتسبه ، ولهذا يمدح المكلف بترك الزنا .
ورد هذا الجواب بأن الفعل كان معدوما قبل وجود المكلف ، وبعده استمر العدم ، ولم يحصل بقدرته ; لأنه لو حصل بقدرته لكان له أثر في ذلك النفي ; لأن القدرة تقتضي أثرا عقلا ، ولا أثر للمكلف فيه ; لأن نفي الفعل بعد وجود المكلف على حاله قبل وجوده .
ثم قال المصنف وفي هذا الرد نظر ; لأنا لا نسلم أن نفي الفعل غير مقدور للمكلف . وذلك لأن نفي الفعل وإن كان متحققا قبل وجود المكلف ، إلا أنه بعد أن وجد المكلف ودعاه نفسه إلى الفعل ولم يطعها وكف عن الفعل يتبع هذا الكف بقاء نفي الفعل ، وهو أثر قدرة المكلف ، فيجوز أن يكون نفي الفعل مكلفا به من هذا الوجه .