[ ص: 456 ] [ ص: 457 ] 1 - الكتاب ص - الكتاب : القرآن ، وهو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه . وقولهم : " ما نقل بين دفتي المصحف تواترا " - حد للشيء بما يتوقف عليه ; لأن وجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن .
ش - لما كان الكتاب أصلا للأدلة الشرعية قدم ذكره . ثم قدم السنة على الإجماع ; لأنها أصله . ثم قدم الإجماع على القياس لكون الإجماع سالما عن الخطأ .
وذكر في الكتاب مقدمة وثلاث مسائل وخاتمة . اعلم أن الكلام قد يطلق على الألفاظ الدالة على ما في النفس ، نقول : سمعت كلام فلان . وقد يطلق على مدلول الألفاظ ، وهي المعاني التي في النفس ، كما قيل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما = جعل اللسان على الفؤاد دليلا
.
[ ص: 458 ] والأصولي يبحث في الكلام بالمعنى الأول . والمتكلم يبحث في الكلام بالمعنى الثاني .
ولذلك أعرض المصنف عن الكلام النفساني ، وقيد - في تعريف الكتاب الذي هو القرآن - الكلام بالمنزل ، ليخرج النفساني . وأيضا يخرج عنه كلام البشر .
وقوله : للإعجاز ، وهو قصد إظهار صدق دعوى النبي الرسالة عن الله تعالى ، يخرج الكلام المنزل الذي ليس للإعجاز ، كالأحاديث الربانية والكتب المنزلة على الأنبياء إن لم نقل بكون نزولها للإعجاز .
وقوله : " بسورة منه " وأراد بعضا مخصوصا يساوي في [ ص: 459 ] القدر ، الكوثر التي هي أقصر سورة ، يخرج الآية أو بعضها .
وأيضا يخرج الكتب المنقولة التي هي غير القرآن إن قلنا : إن إنزالها للإعجاز ; لأنها وإن كانت للإعجاز لكن لم يكن الإعجاز بسورة منه . فصار هذا التعريف منطبقا على مجموع القرآن .
ويلزم منه أن لا يسمى بعض القرآن ، قرآنا ، إلا بالمجاز .
وقول الأصوليين في حد الكتاب : " ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلا متواترا " حد للشيء بما يتوقف تصوره على ذلك الشيء . لأن معرفة ما نقل إلينا نقلا متواترا يتوقف على وجود المصحف ، وعلى ما نقل فيه ; لأن الذي نقل إلينا نقلا متواترا ، لا يتصور كونه منقولا إلا بعد وجود المصحف وبعد النقل . ووجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن ; لأن وجود المصحف فرع على إثبات السور والآيات فيه . وإثباتها فرع على تصورها .
وكذا النقل المضاف إلى ما بين دفتي المصحف لا يمكن إلا بعد تصوره ، فيكون معرفة ما نقل إلينا متواترا موقوفا على وجود المصحف [ ص: 460 ] ونقله ، وهما موقوفان على تصور القرآن ، فيكون معرفة ما نقل إلينا متواترا موقوفة على تصور القرآن . لأن الموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء .
فيكون تعريف القرآن به تعريفا للشيء بما يتوقف عليه . وهو باطل .
قال بعض الشارحين في تقريره : " المصنف اعترض على هذا الحد بلزوم الدور ; فإن الحكم بوجود المصحف ونقله مسبوق بتصور القرآن ; لما عرف من أن التصديق مسبوق بالتصور . فلو عرف القرآن بهما لزم الدور " .
وهذا الكلام مع مخالفته لما في المتن ، لا توجيه له أصلا . أما كونه مخالفا لما في المتن فلأن المصنف لم يقل : إن الحكم بوجود المصحف ونقله ، فرع تصور القرآن ، بل قال : وجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن .
أما أنه لا توجيه له أصلا ، فلأن قوله : " الحكم بوجود المصحف ونقله فرع تصور القرآن " غير مستقيم .
قوله : " لما عرف أن التصديق مسبوق بالتصور " . قلنا : هذا مسلم به ولكن لا يفيد ههنا ; لأن الحكم بوجود المصحف مسبوق بتصور المصحف والوجود ، لا بتصور القرآن .
[ ص: 461 ] وعلى تقدير أن يكون الحكم بوجود المصحف ونقله مسبوقا بتصور القرآن ، لا نسلم أنه لو عرف القرآن بالمصحف والنقل ، يلزم الدور . وإنما يلزم أن لو عرف القرآن بالحكم بوجود المصحف ونقله .
واعلم أن التعريف الذي زيفه المصنف ذكره حجة الإسلام - رحمه الله - في المستصفى .
ولقائل أن يدفع التزييف بالعناية بأن يقول : هذا التعريف إنما ذكره لغير المثبت . والإثبات والنقل لا يستدعيان تصور القرآن إلا بالنسبة إلى المثبت .