وهذه المسألة كالمقدمة للمسائل الأخر . وذلك لأن السنة لما كانت منقسمة إلى الأفعال والأقوال والتقارير ، وجب أن يبحث أولا عن الأفعال والأقوال في أنها هل تكون [ حقة ] يجب علينا التأسي بها أم لا ؟ وذلك إنما يتحقق بعد بيان عصمتهم .
فنقول : ذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا يمتنع عقلا أن يصدر ، قبل البعثة ، من الأنبياء - عليهم السلام - صغيرة كانت أو كبيرة .
وخالفهم الروافض مطلقا ، أي لا يجوز أن يصدر عنهم ، قبل البعثة ، معصية ، صغيرة كانت أو كبيرة .
وخالفهم المعتزلة إلا في الصغائر ، أي لا يجوز أن يصدر عنهم الكبائر ، ويجوز أن يصدر عنهم ، قبل البعثة ، الصغائر .
ومعتمد الفريقين : التقبيح العقلي ; لأن إرسال من لم يكن معصوما من الكبائر - كما هو عند المعتزلة - ومن الكبائر والصغائر - كما [ ص: 479 ] هو عند الروافض - يوجب التنفير عنه ، وهو مناف لمقتضى الحكمة ، فيكون قبيحا عقلا . وأما بعد البعثة والرسالة فالإجماع منعقد على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام وما يتعلق بها ; لأن المعجزة دلت على صدقهم فيها . فلو جاز كذبهم فيها لبطل دلالة المعجزة .
واختلفوا في جواز صدور الكذب منهم غلطا ، فجوزه القاضي ، وقال : دلالة المعجزة على صدقهم فيما صدر عنهم قصدا واعتقادا . وما صدر عنهم غلطا فالمعجزة لا تدل على صدقهم فيه .