[ ص: 509 ] فإن كان مع فعل الرسول قول - فلا يخلو إما أن لا يدل دليل على وجوب تكرار الفعل في حقه ، وعلى وجوب تأسي الأمة به ، أو يدل دليل على وجوب كل منهما أو يدل دليل على وجوب أحدهما فقط .
وحينئذ لا يخلو إما أن يدل على وجوب التكرار أو على وجوب التأسي به . فهذه أربعة أقسام ، ذكر المصنف أحكام كل منها على التفصيل .
فبدأ بالأول من الأربعة ، وهو الذي لا يدل على وجوب تكرر الفعل ولا على وجوب التأسي به .
فحينئذ لا يخلو إما أن يكون القول خاصا به ، أو خاصا بنا ، أو عاما لنا وله .
فإن كان القول خاصا به فلا يخلو إما أن يتأخر القول عن الفعل أو يتقدم القول ، أو يجهل التاريخ .
فإن كان القول خاصا به وتأخر عن الفعل ، كأن فعل فعلا ثم قال بعد ذلك الفعل ، إما على الفور أو على التراخي : لا يجوز [ لي ] مثل هذا الفعل في مثل ذلك الوقت ، فلا تعارض بين القول والفعل أصلا ، لا في حقه ولا في حق أمته ; أما في حقه فلأن القول لم يتناول الزمان الذي وقع فيه الفعل ، والفعل أيضا لم يتناول الزمان الذي تعلق به القول ، فلا يكون أحدهما رافعا لحكم الآخر . وأما بالنسبة إلى الأمة فظاهر ; لأنه ليس لواحد من القول والفعل تعلق بالأمة .
[ ص: 510 ] وإن كان القول خاصا به وتقدم على الفعل ، مثل أن يقول : يجب علي فعل كذا في وقت كذا ، ثم اشتغل بضد مقتضى القول قبل التمكن من الإتيان بمقتضاه ، ففيه خلاف .
فعندنا الفعل ناسخ للقول ، بناء على جواز النسخ قبل التمكن . وعند المعتزلة لا يتصور صدور مثل هذا الفعل بعد القول إلا على سبيل المعصية ; لأن النسخ قبل التمكن غير جائز عندهم .
وإن كان الفعل بعد التمكن من مقتضى القول ، لا يكون الفعل ناسخا للقول ، إلا أن يدل دليل على وجوب تكرر مقتضى القول ، فإنه حينئذ يكون الفعل ناسخا لتكرار مقتضى القول .
وإن كان القول خاصا به وجهل التاريخ ، فحكمه مثل القسم الذي دل دليل على وجوب التكرر والتأسي به ، والقول خاص به وجهل التاريخ . وإنما لم يتعرض المصنف [ له لذلك ] .
[ ص: 511 ] وإن كان القول خاصا بنا فلا تعارض أصلا ، سواء تقدم الفعل أو تأخر ; لعدم اجتماع القول والفعل في محل واحد ; لأن الفعل خاص به ; إذ لا دليل على وجوب التأسي به ، والقول خاص بنا .
وإن كان القول عاما لنا وله ، فلا يخلو إما أن يكون القول شاملا له بطريق التنصيص ، مثل أن يقول وجب علي وعلى أمتي فعل كذا ، فحكم تقدم القول أو الفعل له وللأمة كما تقدم ، أي إن كان القول متأخرا ، كأن فعل فعلا ثم قال بعده : لا يجوز لي ولأمتي مثل هذا الفعل في ذلك الوقت ، فلا تعارض أصلا ، لا في حقه ولا في حقنا ; لعدم وجوب تكرار الفعل ، ولعدم وجوب التأسي به .
وإن كان الفعل متأخرا فلا تعارض بالنسبة إلينا ; بعدم وجوب التأسي . وأما بالنسبة إليه ، فإن كان التلبس بالفعل قبل التمكن فعلى الخلاف . فعندنا نسخ وعند المعتزلة لا يتصور الفعل إلا على سبيل المعصية .
وإن كان بعد التمكن ، فلا تعارض بالنسبة إليه أيضا إلا أن يقتضي القول التكرار .
وإن كان القول شاملا للرسول - عليه السلام - بطريق ظاهر ، أي لا بصريحه ، مثل أن يقول : وجب على المسلمين كذا . فبالنسبة إلينا كما تقدم ، وبالنسبة إليه يكون الفعل مخصصا لذلك القول ، كما سيأتي في باب التخصيص أن فعله - صلى الله عليه وسلم - مخصص للعموم .