ص - والعلم ضربان : علم بمفرد ، ويسمى : تصورا ومعرفة . وعلم بنسبة ، ويسمى : تصديقا وعلما .
ش - اعلم أن المراد بالنسبة : إسناد شيء إلى شيء بالنفي أو الإثبات وبالمفرد : ما يقابله .
فكأنه فرض النسبة - لاستلزامها التركيب - مركبا . وما ليس بنسبة - لكونه مقابلا لها - مفردا . لأن المفرد مقابل المركب .
والعلم قسمان : علم بمفرد مثل علمك بمعنى الإنسان والكاتب . وعلم بنسبة ، لا بمعنى حصول صورتها في العقل ; فإنه من قبيل الأول ، بل بمعنى إيقاعها أو انتزاعها ، أعني الحكم ، مثل حكمك بأن الإنسان كاتب أو ليس بكاتب .
[ ص: 56 ] ويسمي المنطقيون الأول : تصورا . والثاني : تصديقا . وبعض العلماء سمى الأول : معرفة ، والثاني : علما ، تأسيا بقول النحاة : إن المعرفة تتعدى إلى مفعول واحد ، والعلم إلى مفعولين .
وقال بعض الشارحين : النسبة : الحكم ، والمفرد : ما ليس بحكم . والعلم بما ليس بحكم ، يندرج تحته العلم بنفس النسبة وحقيقتها ، وهو ظاهر .
وعلم تعلق بالحكم ، لا بحقيقة ، بل بحصوله هو : التصديق . والتصديق ليس بحكم ، وإن قال به بعض المتأخرين ; إذ التصديق قسم من العلم ، والحكم ليس بقسم منه ، وتوقفه عليه لا يقتضي أن يكون قسما منه ; لجواز أن يكون توقف المشروط على الشرط .
وهذا الكلام لا يخلو عن خبط ; لأنه جعل العلم بحصول الحكم : تصديقا ، لا الحكم نفسه ، والنسبة : حكما .
ولقائل أن يقول : إن العلم بحصول الحكم إن كان تصور حصول الحكم ، يلزم أن يكون التصديق تصورا ، وإن كان غيره فليبين ليتصور معناه أولا ، ثم يتكلم عليه ثانيا .
وأيضا يلزم أن يكون الحكم خارجا عن التصديق ; لأن المعلوم [ ص: 57 ] خارج عن العلم ولم يقل أحد أن الحكم خارج عن التصديق ، بل اختلفوا في أنه نفس التصديق أو داخل فيه .
وأيضا التصديق والتكذيب اللغويان يعرضان لحصول الحكم ، لا للعلم به . فتسمية الحكم بالتصديق أولى منه .
فإن قيل : العلم من مقولة أن ينفعل ، والحكم أعني الإيقاع والانتزاع من مقولة أن يفعل ، فكيف يصح تقسيمه إلى التصديق الذي هو الحكم ، وإلى التصور .
قلت : لا محيص عن هذا إلآ بأحد الأمرين : أحدهما : أن لا يقسم العلم إلى التصور وإلى التصديق ، بل إلى التصور الساذج ، وإلى التصور مع التصديق ، كما فعله الشيخ في الإشارات ، حيث قال : فكما أن الشيء قد يعلم تصورا ساذجا ، فكذلك قد يعلم تصورا معه تصديق .
والثاني : أن تفسير العلم بما هو أعم من الإدراك ، إن قسم إلى التصور والتصديق بأن يقال : [ ص: 58 ] المعاني الذهنية إما الإدراك أو غيره .
والثاني : إما الهيئة اللاحقة به ، أو لا . والأول : - أعني الهيئة اللاحقة به - إما أن يقارنها احتمال الصدق والكذب ، أو لا . والثاني : مثل الهيئات اللاحقة في أقسام التنبيه ، كالتمني والترجي والنداء وغيرها .
والأمر المشترك بين الإدراك والهيئة اللاحقة به المحتملة للصدق والكذب - وهو المعنى الذهني المقيد بعدم القسمين الآخرين - هو العلم .
ولا شك أنه إذا فسر العلم به ، ينقسم إلى الإدراك الذي هو التصور ، وإلى الهيئة المذكورة التي هي التصديق .