تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
قال أبو عبد الله : وأما اقتياسهم ترك الصلاة على ترك سائر الفرائض ، فقد ذكرنا في صدر كتابنا هذا الدليل على تعظيم قدر الصلاة ، ومباينتها سائر الأعمال في الفضل ، وعظم القدر ما فيه كفاية ، ودليل على أنه لا يجوز أن تجعل قياسا على سائر الفرائض ، ومن قبل أن الصلاة لم تزل مفتاح شرائع دين الإسلام ، وعقده لا تزول عنه أبدا ، لم تزل مقرونة بالإيمان في دين الملائكة ، والأنبياء ، والخلق أجمعين ، لم يكن لله عز وجل دين بغيرها قط ، وسائر الفرائض ليس كذلك ، ليس على الملائكة زكاة ، ولا صيام ، ولا حج ، والصلاة لا تسقط عنهم ، ولا يزايل التوحيد ، فهي أعم الشرائع فرضا ، بها يفتتح الله ذكرها ، وبها يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلام الإيمان ، أينما ذكرها ، وهي أخص الفرائض لزوما للداخل في الإسلام ، وأشهرها منارا للدين ، ومعلما بين المسلمين ، والمشركين .

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما ، لم يغز عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمعه أغار عليهم .
[ ص: 1003 ]

وكذلك كان الصديق رضي الله عنه يفعل ، فهي أشهر معالم التوحيد منارا بين ملة الإسلام ، وملة الكفر ، لن يستحق دين الإسلام ، ومشاركة أهل الملة ، ومباينة ملة الكفر إلا بإقامتها ، فإن تركتها العامة ، انطمس منار الدين كله ، فلا يبقى للدين رسم ، ولا علم يعرف به ، فليس تعطيل ما لو تركته العامة ، شملهم تعطيل الدين حتى لا يبقى له رسم كترك ما لا يشمل العامة ، فالصلاة شاملة لهم ، يجمعهم إقامتها على مباينة ملة الكفر ، شهر الله تعالى أمرها بالنداء إليها ، والتجمع فيها على إقامتها ، وجعلها الشرع في الملة ، فمن تخلى منها ، فما حظه في الإسلام بلا مصداق ، ولا علم تحققه به ، وهو كما قال عمر رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لا دين لمن لا صلاة له .

وكذلك الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر " . [ ص: 1004 ]

وأكثر من ذلك كله ما قد تلوناه من كتاب الله عز وجل في صدر كتابنا من إيعاده مضيع الصلاة ، وتاركها الوعيد الغليظ الذي لم يفعله بمضيع سائر الفرائض ، نحو قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية