[تفسير حديث
جبريل في الإيمان : ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : اختلف الناس في تفسير حديث
جبريل - عليه السلام - هذا ، فقال طائفة من أصحابنا : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الإيمان أن تؤمن بالله " ، وما ذكر معه ، كلام جامع مختصر ، له غور ، وقد أوهمت
المرجئة في تفسيره ، فتأولوه على غير تأويله ، قلة معرفة منهم بلسان العرب ، وغور كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي قد أعطي جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر له الحديث اختصارا - صلى الله عليه وسلم - .
أما قوله :
" الإيمان أن تؤمن بالله " أن توحده وتصدق
[ ص: 393 ] به بالقلب واللسان ، وتخضع له ولأمره ، بإعطاء العزم للأداء لما أمر ، مجانبا للاستنكاب ، والاستكبار ، والمعاندة ، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه ، واجتنبت مساخطه .
وأما قوله :
" وملائكته " : فأن تؤمن بمن سمى الله لك منهم في كتابه ، وتؤمن بأن لله ملائكة سواهم ، لا تعرف أساميهم ، وعددهم ، إلا الذي خلقهم .
وأما قوله : " وكتبه " : فأن
تؤمن بما سمى الله من كتبه في كتابه ، من التوراة ، والإنجيل ، والزبور خاصة ، وتؤمن بأن لله سوى ذلك كتبا ، أنزلها على أنبيائه ، لا يعرف أسماءها ، وعددها إلا الذي أنزلها ، وتؤمن بالفرقان ، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الكتب ، إيمانك بغيره من الكتب ؛ إقرارك به بالقلب واللسان ، وإيمانك بالفرقان ؛ إقرارك به ، واتباعك بما فيه .
وأما قوله : " ورسله " : فأن
تؤمن بمن سمى الله في كتابه من رسله ، وتؤمن بأن لله سواهم رسلا وأنبياء ، لا يعلم أسماءهم إلا الذي أرسلهم ، وتؤمن
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل ، إيمانك بسائر الرسل ، إقرارك بهم ، وإيمانك
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، إقرارك به ، وتصديقك إياه ، واتباعك ما جاء به ، فإذا اتبعت ما جاء به ، أديت الفرائض ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ووقفت عند الشبهات ، وسارعت في الخيرات .
وأما قوله : " واليوم الآخر " : فأن
تؤمن بالبعث بعد الموت ،
[ ص: 394 ] والحساب والميزان ، والثواب والعقاب ، والجنة والنار ، وبكل ما وصف الله به يوم القيامة .
وأما قوله :
" وتؤمن بالقدر كله ، خيره وشره " : فأن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك ، لم يكن ليصيبك ، ولا تقل : لولا كذا وكذا ، لكان كذا وكذا ، ولو كان كذا وكذا ، لم يكن كذا ، وكذا ، قال : فهذا هو
الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر .
واستدلوا على أن الإيمان هو ما ذكروه بالآيات التي تلوناها عند ذكر تسمية الله الصلاة ، وسائر الطاعات إيمانا وإسلاما ودينا ،
واستدلوا أيضا بما قص الله - جل وعز - من نبأ إبليس ؛ حين عصى ربه في سجدة ؛ أمر أن يسجدها
لآدم فأباها ، ثم قال : (
أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، قال الله تبارك وتعالى : (
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) ، فهل جحد إبليس ربه ؟ وهو يقول : (
رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) ، ويقول : (
رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) ، إيمانا منه
[ ص: 395 ] بالبعث ، وإيمانا بنفاذ قدرته ، في إنظاره إياه إلى يوم البعث ، أو هل جحد أحدا من أنبيائه ، وأنكر شيئا من سلطانه ، وهو يحلف بعزته ؟ ! وهل كان كفره ، إلا بترك سجدة واحدة أمره بها ، فأباها!!
واستدلوا أيضا بما قص الله علينا من نبأ ابني
آدم : (
إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ) ، إلى قوله : (
فقتله فأصبح من الخاسرين ) ، إلا بركوبه ما حرم عليه ، من قتل أخيه ، قالوا : وهل جحد ربه ، وكيف يجحده ، وهو يقرب له القربان ؟
وقالوا : قال الله - تبارك وتعالى - : (
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم ) ، إلى قوله : (
جزاء بما كانوا يعملون ) ، ولم يقل : إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ، أقروا بها فقط ، وقال الله - عز وجل - : (
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) .