قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : فإذا ثبت بالدليل الذي ذكرنا أن الله لم يأمرهم أن يقولوا : (
أسلمنا ) يريد الإسلام الذي اصطفاه ، وارتضاه الذي هو خضوع لله بالطاعة تصديقا به ، وإخلاصا له ، فكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
لسعد : " أومسلم ؟ " إنما يريد
الإسلام الذي هو استسلام من مخافة النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، وذلك إسلام المنافقين ، وليس بإسلام المؤمنين .
فإن قال قائل : فهل كان قول هؤلاء : (
أسلمنا ) طاعة لله ؟ !قيل له : إن الله لم يخبرنا عن هؤلاء أنهم قالوا : (
أسلمنا ) بعد أن قال الله تبارك وتعالى لهم : (
قولوا أسلمنا ) ، ولو قالوا : غير مخلصين له ، ولا مؤمنين به ، لم يكونوا مطيعين ، لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا بالتقرب إلى الله ، والإخلاص له ، وقد أخبر الله عز وجل عن هؤلاء أن الإيمان لم يدخل قلوبهم ، وغير جائز أن يتقرب إلى الله بالطاعة من لم يؤمن به ، وقد قالوا : آمنا ، ولم يكن ذلك منهم طاعة ، لأنهم لم يكونوا آمنوا ، والقول لا يكون طاعة ، ولا إيمانا ، ولا إسلاما إلا من المؤمنين ، قال الله عز وجل : (
ومن الناس من يقول : آمنا بالله ، وباليوم الآخر ، وما هم بمؤمنين ) .
وقال الله تعالى : (
قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما [ ص: 556 ] أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) ، فهؤلاء قوم مؤمنون مسلمون ، قد آمنوا بالله بقلوبهم ، وأسلموا له ، فأمرهم الله أن يعبروا عن إيمانهم ، وإسلامهم بألسنتهم أمر تعبد ، تعبدهم به ، فكانت تلك العبادة منهم طاعة لله ، ألا تراه كيف أمرهم في آخر ما أمرهم أن يقولوا : (
ونحن له مسلمون ) ليدل على أن الإسلام المخلص لله الذي هو الإيمان ، ولم يقل لأولئك الأعراب : قولوا : أسلمنا لله ، وذلك أنهم لم يكونوا أسلموا لله ، وإنما أسلموا للناس ، فكانوا منافقين ، غير مؤمنين بالله ، ولا مسلمين له .
وقد قال بعض أهل النظر : ليس قوله لهؤلاء : (
قولوا أسلمنا ) أمر تعبد ، يكونوا مطيعين به لو قالوه ، إنما هو نظير قوله في المنافقين : (
ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ) .