قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : ليس يعني أن الوسوسة في نفسها هي صريح الإيمان ، إنما يعني ما أظهروا له من الكراهة عن الخوف من الله عز وجل ، إذ اختاروا لأن يخروا من السماء على أن يتكلموا به ،
ولا تطيب نفس أحد بأن تخر من السماء ، وأن تصير حممة إلا من شدة الخوف ، فذلك الخوف هو صريح الإيمان ، لأنه إذا وجد الوسوسة من طريق الشرك ، نظر إلى ما أعد الله لأهل الشرك من العذاب ، وطابت نفسه أن تكون حممة ، لأن من نظر إلى شيء من عذاب الله باليقين ، كان ما دونه أهون عليه ، وأخف .
* قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : ويقال لهم : أما قولكم إن
الخوف على قسمين : أحدهما يقين ، والآخر شك ، وكذلك الرجاء ، وما كان منه يقين ، فهو إقرار ، وتصديق ، وما كان منه شك ، فهو طاعة لا إيمان ، فقد أخطأتم على اللغة ، أين وجدتم الخوف إقرارا في لغة ، أو تصديقا ؟ !فأما قولكم : يقين ، فلعمري إن اليقين يوجب الخوف ، وإن الخوف الذي هو شك ما أوجبه إلا اليقين ،
[ ص: 727 ] لو لم يؤمنوا بأن الله حق ، وأن له عذابا يعذب به من عصاه ، ما خافوه أن يعذبهم ، فإنما أوجب هذا اليقين بما يخاف ، وكذلك الرجاء .
فأما قوله : (
يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) ، فقد أيقنوا بالحشر ، لكنهم يخافون ما يقع في الحشر ، فخوفهم عن يقين ، ولذلك يرجون لقاء ربهم عن يقين ، إنما يرجون أن يرحمهم عند لقائه ، لا أن الخوف في نفسه يقين ، ولا أن الرجاء يقين ، ولكنها عن يقين ، فإن سميتموها إيمانا ، فكذلك كل خوف ، ورجاء عن يقين ، فهو إيمان ، ولو جاز ما قلتم لجاز أن يكون أهل النار يخافون النار ، وهم فيها ، لأنهم قد أيقنوا بالعذاب أنه قد وقع بهم ، وكذلك أهل الجنة يرجون الجنة ، وهم فيها ، وهذا خطأ في المعقول ، واللغة إذا وقع العذاب زال الخوف ، وإذا وقع الظفر زال الرجاء .
لو قال قائل : إني قد أرجو أن ينجز الله وعده ، لا يذهب في ذلك إلى تقصير من نفسه ، لأنه إن ذهب إلى تقصير من نفسه من أجل ذنوبه ، وقع الشك ، لأنه لا يساهل الوعد ، وإن ذهب إلى أنه يرجو أن الله يفي بما قال ، ووعد ، فقد ذهب إلى أمر عظيم .
وكذلك لو قال قائل : إني أخاف أن يعذب الله فرعون ،
[ ص: 728 ] وإني أرجو أن يدخل الله محمدا الجنة لكان هذا حمقا ، يستعمل الخوف فيما قد أخبره الله عز وجل أنه فاعله لا محالة ، وكذلك الرجاء ، وقد بين أن الخوف والرجاء اللذين سميتموهما إيمانا ليسا يقينا ، ولكنهما إشفاق من الله عز وجل ، وأمل يبعثان على طاعته ، ويزعجان عن معصيته ، وكذلك كل إشفاق من الله عز وجل ، وأمل له يبعثان على الطاعة ، ويزعجان عن المعصية ، لا فرقان بين ذلك .